آخر الأخبارتحليلات و آراء

قرارات الجنائية الدولية .. تبني دولي ونشاز أمريكي

سليم الزريعي

تكشف ردود الفعل الأمريكية على قرار الجنائية الدولية، بإصدار مذكرات قبض بحق رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق أواف غالانت ، كم تفتقد هذه الدولة ونخبها السياسية إلى أي ذرة من القيم الإنسانية والعدالة، في موقفها من المحكمة بعد قراراتها المتعلقة بالمسؤولين الصهاينة.

وأعتقد أن هذا الموقف غير الأخلاقي الذي هو صفة لصيقة بالدولة الأمريكية تاريخيا، جراء سياساتها بدءا من إبادة سكان أمريكا الأصليين إلى حروبها العدوانية ضد شعوب العالم في فيتنام والعراق وأفغانستان التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين، وفي كونها شريكا فعليا لكل جرائم الكيان الصهيوني في حرب الإبادة التي نفذها ضد أهل غزة.

وتصل الوقاحة والبلطجة السياسية، أن ساسة الولايات المتحدة ينسون أنهم ساندوا ودعموا وباركوا وتبنوا ، قرارات المحكمة عندما تعلقت بدول وزعماء من دول أخرى، غير صديقة لواشنطن. وأن الدعوى ضد الكيان الصهيوني تعبر عن موقف 52 دولة، تستند إلى وقائع عاشها العالم بالصوت والصورة، وأن مباشرة المحكمة النظر في الدعوى يتعلق باختصاصها، مستندة إلى وقائع ملموسة عاشها العالم كله.

لكن أن يصل الفجور وتجاوز القانون حد تهديد المحكمة والدول التي ستنفذ قراراتها ضد المجرمين الصهاينة اليهود، بأن اعتبر السيناتور الجمهوري الأميركي البارز لينزي غراهام «المحكمة الجنائية الدولية منظمة مارقة ذات دوافع سياسية تدهس مفهوم سيادة القانون. وهدد أن أي دولة ستدعم قرارات المحكمة ستواجه موقفاً صارماً من الولايات المتحدة.

وتوعّد مايك والتز، مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب للأمن القومي، بـ«ردّ قوي» على المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة، في يناير المقبل، وأن المحكمة الجنائية الدولية «لا تحظى بأي مصداقية»، زاعما أن “إسرائيل” «دافعت، بشكل قانوني، عن شعبها وحدودها».

كما ندد الرئيس الأميركي جو بايدن بإصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالات، واعتبر هذا الإجراء “أمرا شائنا”. وقال “سنقف دوما إلى جانب إسرائيل ضد التهديدات التي تواجه أمنها”.

وهنا يجب الانتباه أن هذه المواقف الأمريكية المستفزة ، هي مكون أساس في السلوك السياسي والثقافي الأمريكي ، تحت وهم فرط القوة سواء في جانبيها الخشن والناعم، وأن أمريكا ما تزال هي من يقرر الصواب والخطأ في هذا العالم.

فيما يري الكثير من دول العالم غير ما ترى أمريكا وساستها، لجهة تصنيم الكيان الصهيونية ككيان رباني، فوق مستوى المحاسبة من جهة قانونية قررها المجتمع الدولي ، وهده الجهة القانونية رأت بناء على الدعوى الجنائية والوقائع الملموسة، أن لديها أسبابها المنطقية لاعتبار بنيامين نتنياهو وأواف غالانت شريكين في “جرائم ضد الإنسانية هي جريمة التجويع كسلاح.. وجرائم ضد الإنسانية مثل القتل”. وأكدت المحكمة أن “نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن توجيه هجوم متعمد ضد المدنيين”.

وخلافا لواشنطن رحبت وأبدت دول أوروبية مذكرة الاعتقال الصادرة من “الجنائية الدولية” بحق نتنياهو وغالانت.وكذلك جنوب أفريقيا التي دعت “المجتمع الدولي إلى الدفاع عن سيادة القانون وضمان المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان”.

وقالت نائبة رئيس وزراء بلجيكا، بيترا دي سوتر، إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي الامتثال لمذكرتي الاعتقال الصادرتين بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الجيش السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
بل إن وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب، أكد أن بلاده ستعتقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تنفيذا لمذكرة الاعتقال الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية.

وقال مفوض السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن قرار المحكمة الجنائية الدولية الخاص باعتقال نتنياهو وغالانت ملزم.

وصرحت وزيرة العمل الإسبانية يولاند دياز بـ”أننا سنقف دائمًا إلى جانب العدالة والقانون الدولي ولا يمكن أن تمرّ الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني دون عقاب”.

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية إن ردّ فعل باريس على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو سيكون متوافقًا مع مبادئ المحكمة. وأن المحكمة الجنائية الدولية ضامنة للاستقرار الدولي ويجب ضمان عملها بطريقة مستقلة.

فيما قال رئيس الوزراء الكندي على الجميع الالتزام بالقانون الدولي وسنلتزم بجميع لوائح وأحكام المحاكم الدولية.

وبدوره قال وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروزيتو، اليوم الخميس، إن “إيطاليا سيتعين عليها اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا زار البلاد”، وذلك عقب إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت.

كما صرّح متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، بأن المملكة المتحدة تحترم استقلال المحكمة الجنائية الدولية، مشددًا على أهمية الالتزام بالقانون الدولي.

وشدّدت منظمة العفو الدولية على أن لا أحد فوق القانون الدولي سواء كان مسؤولًا حكوميًا منتخبًا أو غير منتخب، بينما أشارت منظمة “هيومن رايتس ووتش الى أن مذكرات المحكمة الجنائية الدولية تفند التصور بوجود أشخاص فوق القانون، ولفتت الى أن مذكرات المحكمة الجنائية الدولية مهمة بالنظر لمحاولات عرقلة مسار العدالة فيها.

ولعل اللافت هنا هو موقف عمدة مدينة ديربورن الأميركية عبدالله حمود، من أن مدينة ديربورن ستعتقل نتنياهو وغالانت، إذا دخلا إلى حدود المدينة، وقادة المدينة يمكنهم ضمان عدم السماح لنتنياهو وغيره من مجرمي الحرب بالسفر بحرية.

لكن أكثر الموقف دلالة وانتصارا لأهل غزة، هو موقف مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم” الذي جاء من داخل فلسطين المحتلة، عندما قال: “للأسف، وبناءً على كل ما نعرفه عن تصرفات إسرائيل في قطاع غزة خلال العام الماضي التي تمت بعلم وتوجيه رئيس وزراء إسرائيل ومجلس الوزراء– لا نفاجأ بأن الأدلة تشير فعلا إلى أن نتنياهو وغالانت مسؤولان عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.

وتابع المركز أن “تحميل صنّاع القرار المسؤولية الشخصية هو عنصر أساسي في النضال من أجل تحقيق العدالة والحرية لجميع الأشخاص الذين يعيشون بين نهر الأردن والبحر. لذلك، يجب على جميع الدول الأعضاء احترام قرار المحكمة وتنفيذ أوامر التوقيف”.

وأشار “بتسيلم” إلى أنه “حذّر ومنظمات أخرى على مرّ السنوات من أن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ينطوي بطبيعته على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وقد تفاقمت هذه الانتهاكات خلال العام الماضي لتصل إلى أبعاد لا تُصدّق. وكانت نتيجة سياسة حكومة إسرائيل مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وتجويع مئات الآلاف، ومعاناة لا توصف لملايين الأشخاص”.

إن موقف منظمة ” بتسليم اليهودية الإسرائيلية ومن داخل الكيان وهو ينتصر للعدالة في غزة، بكل دلالاته، إنما يكشف بؤس وبشاعة السلوك والموقف الأمريكي المعادي للإنسان الفلسطيني وحقوقه، ويدحض كذب ونفاق وعدوانية رؤسائه ومؤسساته ونخبه الصهيونية، وهو يمثل قيمة مضافة ذات بعد أخلاقي وإنساني وسياسي وقانوني كبير، تضاف إلى مواقف عشرات الدول، وهذا الاصطفاف القانوني الإنساني، جعل الموقف الأمريكي نشازا ، وعرته أمام شعوب العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى