شرطة 2011 أم شباب 2019.. المتظاهرون قد يفاجئون السيسي بهذه الأساليب الجديدة

يوم ليس كمثله يوم، فالعالم كله يترقب ما سيحدث في مصر غداً الجمعة، 27 سبتمبر/أيلول 2019، بعد دعوة المقاول المتمرد محمد علي لاستئناف المظاهرات ضد حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، في استكمال لما أصبح يُعرف بانتفاضة سبتمبر (أيلول).

وبعد أن فاجأت المظاهرات التي وقعت الجمعة الماضية الحكومة والمعارضة على حدٍّ سواء، تزايدت التوقعات بأن تكون مظاهرات غد الجمعة أكبر حجماً، خاصة بعد كسر حاجز الخوف، والموقف المتساهل نسبياً من قبل قوات الأمن.

فكيف سيكون المشهد في مصر غداً الجمعة، 27 سبتمبر/أيلول 2019، وهل تنزل الجماهير إلى الشوارع، وكيف سيكون التعامل الأمني معها؟

المدفعية الإعلامية تلجأ للأساليب القديمة

نجح المقاول محمد علي في جذب اهتمام ملايين المصريين وإثارة غضبهم على الجيش ومؤسسة الرئاسة، بسبب الاتهامات التي وجَّهها إليهم بالفساد.

وفشِلت الآلة الإعلامية المصرية العملاقة في الردِّ عليه، حتى إن الرئيس عبدالفتاح السيسي عقد مؤتمراً للشباب خصيصاً للردِّ عليه، ليؤكد نفسُه صحةَ كلام المقاول المتمرد.

فيديوهات محمد علي كانت أكثر فعالية من أي معارضة

وظلَّ محمد علي بخفّة ظله وبكمية المعلومات التي يقدمها متفوقاً في السِّجال الإعلامي، مستخدماً كاميرا هاتف محمول، في مواجهة أقدم آلة إعلامية في الشرق الأوسط.

وبعد أن نجح في حشد الناس في الشوارع، بل واقترح خطوات لعزل  السيسي ووضع أسس مرحلة انتقالية، بدأت الآلة الإعلامية الحكومية تُعلي من خطابها، وتعود لأساليبها القديمة لمنع الناس من النزول.

 ومن أبرز هذه الوسائل التي استخدمتها:

  • تخويف الناس من الفوضى التي حدثت أثناء ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وما بعدها، دون الإشارة إلى مسؤولي النظام وبلطجيته عن هذه الفوضى.
  • التحدُّث عن تدخل خارجي مزعوم مثل بثِّ اعترافٍ عن دورٍ لحركة الجهاد لصالح الإخوان المسلمين فيما يحدث، رغم أن أي مبتدئ في السياسة يعلم أن حركة الجهاد ليست حركة إخوانية، وليس لها دور سياسي حتى في فلسطين، وتقتصر كل جهودها على مقاومة إسرائيل، وتحتفظ تقليدياً بعلاقة جيدة مع المخابرات المصرية.
  •   محاولة التركيز على دور جماعة الإخوان المسلمين في الحراك الجديد، علماً أنَّ أغلب المحلِّلين الأجانب وغيرهم يُجمعون على محدودية دور القوى التقليدية في الحراك، سواء الإخوان أو اليسار أو نشطاء 6 أبريل وغيرها من الحركات التقليدية.
  • التركيز الإعلامي على الآثار الاقتصادية للحراك، دون الإشارة إلى أن الأعباء الاقتصادية الثقيلة هي أحد الأسباب الرئيسية لهذا الحراك.
  •     اللجوء للعديد من الفنانين والإعلاميين لتخويف الناس من الفوضى، والهجوم على المعارضين، ولكن المشكلة أن هؤلاء الفنانين استخدموا أساليب استفزّت المواطنين، أو أو احتوت سبّاً كما فعلت فيفي عبده، كما أن طريقة هؤلاء الفنانين بدت دفاعيةً، وتُعبِّر عن شعور بالذعر.

إجراءات أمنية غير مسبوقة.. إرهاب هدفه منع المواطنين من النزول حتى لقضاء مصالحهم

شهدت مصر الجمعة الماضية 20 سبتمبر/أيلول، إجراءات أمنية كبيرة، ولكن بدا واضحاً أن الأمن يحاول أن يجعل اليوم يمر دون مشاكل، وكان حجم الانتشار الأمني متوسطاً بالنظر لخطورة الأحداث.

ولكن الأمر سيختلف الجمعة القادمة، بعد أن تبيَّن أنَّ حجم المظاهرات جاء أكبر من المتوقع.

حملة أمنية لمنع تجدد التظاهرات

ويلاحظ أن الإجراءات الأمنية قد بدأت مبكراً، وقبل حلول الجمعة المنتظرة، ويبدو أنها تهدف إلى تحرك استباقي عبر تخويف الناس لمنع نزولهم الجمعة حتى لممارسة حياتهم العادية، وذلك عبر عدة طرق أبرزها.

–   توقيف المواطنين في الكمائن الأمنية وتفتيش هواتفهم المحمولة، ويهدف هذا العمل إلى منع تداول الفيديوهات الخاصة بمحمد علي أو غيره من المعارضين، وتخويف المواطنين من نزول الشوارع بشكل تصاعدي، أملاً في أن يصل ذروة هذا الخوف يوم الجمعة.

–      تنفيذ حملة اعتقالات واسعة تشير التقديرات إلى أنها وصلت إلى 1300 معتقل حتى الأربعاء، ولكن يلاحظ أنها تتركز على النشطاء التقليديين المسيَّسين، علماً أن هناك مؤشرات على أن دورهم محدود في هذا الحراك، بل إنَّ بعضهم ينظر إليه بحذر.

–   شنّت أجهزة الأمن المصرية حملة أمنية في شوارع القاهرة وميادينها الرئيسية، وعدد من المحافظات المصرية، حملات على السيارات الموجودة في الشوارع، بالتنبيه على أصحابها بعدم وقوفها في الشوارع الرئيسية، والوجود بالجراجات والشوارع الخلفية، وذلك قبل ساعات من دعوات النزول إلى الشوارع والميادين غداً الجمعة؛ للمطالبة برحيل نظام عبدالفتاح السيسي.

 – مرور عشرات سيارات الشرطة في الشوارع بكافة المحافظات باستخدام «السرينة» الخاصة بهم، في إطار حملة الخوف الذي تحاول أجهزة الأمن المصرية بثّه في نفوس المصريين لعدم النزول غداً.

العودة لسياسة الحشد المضاد

كشفت مصادر لصحيفة «العربي الجديد» عن توجيهات صدرت من قبل العميد محمود السيسي، وكيل جهاز المخابرات العامة ونجل الرئيس، لعدد من كبار رجال الأعمال، وأعضاء في مجلس النواب، لحشد أعداد كبيرة من الأفراد لتنظيم تظاهرات مؤيدة للرئيس، يوم الجمعة المقبل، منذ الصباح الباكر، وشغل الميادين لمنع وصول المتظاهرين الرافضين إليها، تلبية لدعوة الفنان والمقاول محمد علي.

وقالت المصادر إنه بالفعل بدأ عدد من النواب بالتواصل مع كبار العائلات في دوائرهم، ونقل الرسالة لهم لحشد المواطنين، فضلاً عن الاتفاق مع مقاولي البلطجية لحشد من تتم تسميتهم «بالمواطنين الشرفاء»، في إشارة إلى بعض سكان المناطق العشوائية الذين يتم حشدهم مقابل الأموال، مثلما حدث إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني.

وتمثل هذه الخطوة عودة إلى سياسة الحشد المضاد، التي اتّبعها السيسي الأب لأول مرة في التخطيط للوصول للسلطة، بدءاً من التظاهرات الممهدة للإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، في 3 يوليو/تموز 2013، وانتهاءً بتوليه الرئاسة في يونيو/حزيران 2014.

لماذا قد يفاجئ المتظاهرون النظام مرة أخرى؟

إحدى مشكلات النظام أنَّه يتعامل بعقلية قديمة مع المظاهرات، باعتبارها تكراراً لثورة يناير.

ولكن انتفاضة 20 سبتمبر/أيلول لها أسبابها الخاصة، التي يعود بعضها إلى يناير وما قبلها وما بعدها، لكن جزءاً كبيراً يرجع بسبب سياسات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأخيرة والديناميكية التي خلقها المقاول المتمرد محمد علي.

دور السيسي ومحمد علي في انتفاضة سبتمبر

خلال السنوات الماضية تحمَّل المصريون من الناحية الاقتصادية ما لم يتحملوه منذ عقود طويلة، حتى في أوقات الحروب أو خلال الاضطرابات التي أعقبت ثورة يناير.

فقد انخفضت قيمة الجنيه المصري أمام الدولار من نحو 9 جنيهات إلى 18 جنيهاً بعد التعويم، أي فعلياً فقد الجنيه المصري ما يقرب من نصف قوته الشرائية، ولكن لم تزد الرواتب ولا الدخول إلا لِماماً.

ورغم تراجع الجنيه حالياً أمام الدولار، فإنَّ البلاد تعاني من موجة كساد عارمة، لها أسباب متعددة، ولكن من بينها نقص السيولة جراء سيل المشروعات التي بشّر بها السيسي مواطنيه.

تحمّل المواطنون هذا الوضع إما خوفاً من النظام أو اقتناعاً بضرورة الصبر لتمرير الإصلاحات، ولكن جاء حديث محمد علي عن الفساد المزعوم في الجيش والقصور التي يُشيِّدها السيسي، ثم تأكيد الرئيس لهذا الأمر، ليستفزَّ قطاعاً كبيراً من المصريين كان غير مسيس، بل في الأغلب كان مؤيداً للسيسي.

قطاع لم يكن يهمه كثيراً حقوق الإنسان وقضية تيران وصنافير أو  حتى التعديلات الدستورية التي ستُبقي الرئيس في الحكم لعقود طويلة.

يضاف إلى هذا القطاع جيل جديد من المهتمين بالسياسة، أصغر سناً من الجيل الذي شارك في يناير، جيل إحباطاته أقل، وكذلك مخاوفه.

هناك جزء من المؤيدين لهذه الموجة الجديدة من الاحتجاجات يرون أن التخلص من السيسي يعني التخلص من أطروحاته التي تسبَّبت لهم في ألم اقتصادي.

رغم الإجراءات الأمنية المشددة لماذا تصعب السيطرة على المظاهرات المرتقبة؟

بالإضافة إلى اختلاف نوعية المتظاهرين إلى حدٍّ كبير عن الاحتجاجات السابقة، فإنَّ طبيعة التظاهرات نفسها تجعل التصدي لها أصعب من المظاهرات التي وقعت خلال ثورة يناير وما بعدها.

  • تميل الموجة الجديدة من التظاهرات إلى أن تكون أقل مركزية من السابق، ولا ترى أن الميادين هي الساحة الوحيدة للتظاهر، بل يمكن أن التظاهر في شوارع متوسط وصغيرة الأمر الذي يصعب محاصرتها أمنياً وكذلك يسهل الهروب لحظة القمع.
  • نظراً لأن التظاهرات تضم أعداداً كبيرة من غير المسيّسيين، فإنها لا تحتاج إلى تجمع المتظاهرين من مناطق مختلفة، بل يمكن أن تكون مظاهرة عفوية مرتبطة بحي أو منطقة.
  • بما أن الشرطة في مصر تتركز عادة في التقاطعات الرئيسية الفاصلة بين الأحياء، فإن التظاهرات يمكن أن تكون داخل الأحياء ذاتها وليست عابرة لها.
  • في ظلّ غياب الدور المحوري للأحزاب وجماعة الإخوان المسلمين والنشطاء، والتي كان لأجهزة الأمن خريطة مفصلة بانتشارهم، فإنه يصعب معرفة من أين تبدأ التظاهرات ومن يقودها.
  • هناك مؤشرات أنَّ المتظاهرين قد يكون بينهم مؤيدون سابقون للنظام، تضرَّروا من سياسته الاقتصادية، وهم يراهنون على تغيير شخص الرئيس من قبل المؤسسة العسكرية، خاصة أن محمد علي نفسه ينتمي لهذه الفئة، فهو مقاول عمل مع الجيش وتحول إلى معارض بعد تعرُّضه للظلم وليس لأسباب سياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى