القيادي الفلسطيني عمر مراد: طوفان الأقصى ضربة ثورية من العيار الثقيل، وهي بروفة للإنتصار الكبير
حاوره: الكاتب والصحفي محمد حسين
من المكتب المركزي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والذي يحمل عبق سنديان فلسطين وكلمات حكيم الثورة جورج حبش كان هذا الحوار الشامل مع القيادي الفلسطيني عمر مراد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومسؤول قيادتها خارج فلسطين..
ضيفي هو القيادي الفلسطيني الصاعد من رحم مخيمات الشمال السوري (مخيم النيرب) رغم أن عيناه شاخصتان نحو الجنوب الممتد من الجليل إلى أم الرشراش..
من معركة طوفان الأقصى أفتح صندوق الأسئلة ؛ واسأل ضيفي؛ كيف يقيم هذه المعركة بعد مضي خمسة أشهر؟
أجاب : إن العملية البطولية طوفان الأقصى بمعانيها ودلالاتها وأبعادها الأستراتيجية، ستبقى راسخة بالمعنى التاريخي، كمحطة نوعية في تطور الكفاح الفلسطيني. وتأكيد لأهمية العمل الفدائي في مواجهة الكيان الغاصب، فهي ضربة ثورية من العيار الثقيل لمنظومة هذا الكيان الغاصب السياسية والعسكرية والأمنية.
وهي بحق بروفة الإنتصار الكبير، أما العدوان الصهيوني وبعد مضي خمسة شهور ونيف، ورغم حرب الإبادة والدمار الشامل لكل مقومات الحياة، لا يزال عاجزاً عن تحقيق أي من أهدافه، وخاصة تلك المتعلقة بتهجير أبناء شعبنا، واجتثاث المقاومة وتحرير الأسرى الصهاينة، وها هي المقاومة صامدة ومستمرة بتصديها لقوات العدو، والشعب رغم الدماء والأشلاء ثابت بأرضه، متحدياً مخططات العدوان بالتصفية والتهجير.
وفي حديث الصراحة، ونقل ما يردده البعض من أن عملية السابع من أكتوبر كانت عملية غير محسوبة النتائج، وقد ورطت الشعب الفلسطيني والحركة الوطنية في حرب ضروس مع “إسرائيل” في ظل ظروف فلسطينية وعربية ودولية سيئة، سألته كيف يرد على هذه الأقوال وما هي قراءة الجبهة لهذه العملية؟
أكد القيادي عمر مراد على أنه لا يمكن لعملية بهذا المستوى النوعي من حيث الدقة والتخطيط ألا تكون محسوبة النتائج فهي مدروسة ومعدّ لها جيداً، ولكن في الحروب والمعارك تحصل مفاجآت أحياناً، مثلاً انهيار فرقة عسكرية للعدو بسرعة فائقة إلى هذا الحد، وخلخلة كيان العدو وارتباك قادته وأركانه رغم الترسانة العسكرية والأمنية وما لديها من خبرات وتقنيات وإمكانيات، ربما لم يكن بالحسبان أن العدو سيضع أهدافه القصوى باجتياح قطاع غزة وتهجير أهله وتدمير كل مقومات الحياة فيه، وفرض السيطرة الكاملة عليه ارتباطاً بخطة الحسم واجتثاث الفلسطينيين من أرضهم على قاعدة إنهاء الصراع بدلاً من الإبقاء على إدارته.
وعن لوم البعض للأخوة في حركة حماس على قيامها بعملية بهذا الحجم بدون التنسيق مع الفصائل الفلسطينية وأطراف محور المقاومة، كان سؤالي :
باعتقادك ماهي الأسباب التي دفعت حماس للقيام بهذه العملية؟
وفي نظر القيادي عمر مراد أن حركة حماس اختارت طبيعة العملية الفدائية وأعدّت لها بدقة عالية وسرية تامة، واختارت التوقيت فهي أرادت لها أن تكون إنجازاً ومنتجاً بطولياً خاصاً بها، تقدم من خلاله رسائل للشعب الفلسطيني أنها بالأساس حركة مقاومة ، ورسالة للكيان الصهيوني بأن استمرار الحصار والاعتداءات اليومية على الضفة والقدس، والتنكيل بالأسرى الفلسطينيين لا بد من مواجهته والتصدي له. وكذلك تقدم نفسها للأطراف العربية والدولية بأنها القوة الرئيسية التي لا يمكن تجاهلها، وخاصة بعد أن اقتربت باستدارتها السياسية من برنامج المنظمة والشرعية الدولية. ولكن من حق الحلفاء ؛ فصائل وأصدقاء العتب على عدم مشاورتهم، رغم أن العملية خاطفة وسريعة.
وعن الوجع الفلسطيني الذي فاق كل التصورات نتيجة الإجرام الصهيوني، في مقابله هناك صمود أسطوري، دعنا نتحدث عن النصف الأخر من الكأس أين ترى الوجع الصهيوني جراء معركة طوفان الأقصى؟
قال: “كما تألمون يألمون”، صحيح شعبنا يعاني الأمرّين جراء العدوان وحرب الإبادة والتطهير العرقي وآلاف الجرائم والمجازر التي يرتكبها هذا العدو العنصري الفاشي، لكن الكيان الصهيوني يعيش نكبات وأزمات لا حصر لها، منها انكشاف عجزه وفشله في تأمين الحماية والأمن للجبهة الداخلية وقطعان مستوطنيه، ونزوح ما يزيد عن مئتي ألف مستوطن من شمال فلسطين ومن مناطق ما يسمى بغلاف غزة، وخسارته لأعدد كبيرة من القتلى الصهاينة مدنيين وعسكريين برصاص الجيش الصهيوني، وكذلك قتل العشرات من الأسرى الصهاينة المحتجزين لدى المقاومة،لقد تجاوز القتلى على أيدي جنودهم الـ 10% من إجمالي قتلاهم منذ بدء العدوان حتى الآن.
تتزايد وتتسع الاحتجاجات لأهالي الأسرى والمستوطنين، وتتفاقم حدة الصراعات الداخلية السياسية والحزبية والإثنية والطائفية، وكذلك احتدام التناقض بين الصهيونية الدينية والصهيونية “العلمانية”، والانهيار الاقتصادي ؛الصناعي والزراعي والتجاري ، وفوق كل ذلك اهتزاز الثقة “بالهوية القومية” المصطنعة سواء كانت يهودية أو إسرائيلية. عدا عن توتر العلاقات مع معظم دول العالم، وخاصة الداعمة للكيان، وهزيمة السردية الصهيونية أمام شعوب العالم، وتبني ودعم السردية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
وعن غياب الفصائل الفلسطينية ومنها الجبهة الشعبية عن المفاوضات التي تجريها وتقودها حركة حماس لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار،
اسألك: هل هذا الغياب يخدم المفاوضات؟ ولماذا لا يكون هناك وفد فلسطيني واحد يفاوض، شركاء بالدم شركاء بالقرار؟
أجاب القيادي عمر مراد “من الزاوية العملية والسياسية، من الأفضل أن يكون هناك قيادة موحدة لإدارة الصراع ببعديه السياسي والميداني، بما في ذلك المفاوضات حول عملية تبادل الأسرى. إلا أن حركة حماس تريد أن تقدم نفسها قطباً فلسطينياً لا يمكن تجاوزه، فهي تكتفي بعملية التشاور والتنسيق اليومي مع باقي الفصائل، وخاصة الجبهة الشعبية وحركة الجهاد. مع العلم أن معظم الأسرى الصهاينة موجودون لدى حركة حماس، وكذلك عند حركة الجهاد التي فوضت حماس بالتفاوض حولهم، وبعض من الفصائل سلمت ما لديها من أسرى لحركة حماس فهي الأقدر على حمايتهم.
قدمت الجبهة الشعبية مبادرة لتشكيل قيادة وطنية موحدة، أين أصبحت هذه المبادرة؟
تميزت الجبهة الشعبية بتقديم عدة مبادرات بين عامي 2022 و2023، جبهة مقاومة موحدة لمواجهة العدو، ثم الاستراتيجية الوطنية لإنهاء الانقسام وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بمشاركة الجميع، وتطبيق ما تم الاتفاق عليه في حوارات الفصائل السابقة.
وبعد عملية طوفان الأقصى قدمت الجبهة مبادرة لتشكيل قيادة طوارئ وطنية موحدة لمواجهة العدوان، وقدمتها للفصائل الفلسطينية، ورغم ترحيب الجميع وبعد نقاشها مع ثمانية فصائل، وافق ستة من الفصائل على تسميتها قيادة وطنية موحدة، وبعد جولات حوار ونقاش، تم إعتمادها بمحاورها الرئيسية لتكون ورقة الرؤية الوطنية الموحدة، دون وضع الآليات المناسبة للشروع في تطبيق هذه الرؤية، ربما هناك محاذير لبعض الفصائل، وعدم اكتراث من البعض الآخر.
الكل الفلسطيني يراهن على دور الجبهة الشعبية في الساحة الفلسطينية لما تمثله الجبهة من احترام ومصداقية من الجميع، كيف تقيمون دور الجبهة في معركة طوفان الأقصى على المستوى السياسي والعسكري؟
تعمل الجبهة الشعبية بكل ما لديها من طاقات وإمكانيات من أجل مواجهة العدوان وتعزيز صمود شعبنا، على المستوى العسكري والقتالي تشارك الجبهة مع باقي فصائل المقاومة وبتنسيق عالي المستوى في المعارك والاشتباكات مع العدو، عدا عن العمليات الخاصة التي تنفذها كتائب الشهيد أبو علي مصطفى في غزة وما يسمى غلاف غزة.
وبالمعنى السياسي، لا زالت الجبهة تدفع بضرورة تشكيل قيادة طوارئ أو قيادة موحدة لإدارة الصراع. عدا عن التواصل مع أطراف ودول محور المقاومة، وكذلك التواصل مع حركات التحرر العربية والعالمية، وتنسيق الفعاليات بما فيها تعزيز دور المقاطعة ومناهضة التطبيع. وقبل أيام تم طرح مبادرة من قبل رفاقنا لتوحيد أو تنسيق عمل الجاليات الفلسطينية وثم العربية وخاصة في أوروبا والأمريكيتين.
هناك تغيرات قادمة وكبيرة بعد معركة طوفان الأقصى على المستوى الفلسطيني والعربي والدولي كون هذا الحدث أصبح له ارتدادات على مستوى العالم، باعتقادك ماهي التغيرات المحتملة على الساحة الفلسطينية؟
ترتبط التغيرات في الساحة الفلسطينية على نتائج الحرب أو العدوان، والمهم ألا ينشغل الفلسطينيون بعد ذلك بالمشاكل وتصفية الحسابات فيما بينهم، وأن لا يخضعوا بكل الأحوال إلى ما يريده العدو من مخططات إخضاع وتصفية للقضية الفلسطينية.
يجب استثمار صمود المقاومة وشعبنا في توحيد الصف الفلسطيني والدفاع عن شعبنا وأرضنا ومقدساتنا، والتحضير والاستعداد لمقاومة مشاريع التهويد والضم والاقتلاع والتهجير بكل ما أوتينا من قوة، وهذا يتطلب الوحدة.
وغير مسموح لأي طرف فلسطيني أن يستقوي بتحالفاته على الطرف الآخر. لا خيار أمام الفلسطينيين إلا الوحدة والمقاومة، خاصة أن العدو يعاني من تنامي الخطر الوجودي، وضعف المناعة الداخلية و”القومية”، وتآكل قوة الردع، وأزمات بنيوية سياسية واقتصادية واجتماعية طاحنة.
انتفاضة الـ ٨٧ أعقبها أوسلو، وانتفاضة الأقصى أعقبها خارطة الطريق واغتيال الرئيس ياسر عرفات، معركة طوفان الأقصى ما الذي سيعقبها هل سندخل في بازار الحل ووهم الدولتين؟
هناك مخاوف جدية عما ستؤول إليه هذه الحرب الجهنمية، نحن أصحاب قضية عادلة وشعبنا ومقاومتنا قادرون على حمايتها، فالصراع بلغ ذروته وكل الخيارات السياسية والتفاوضية قد فشلت، والعدو رغم رهانات البعض أسقط كل حديث عن حل الدولتين، فهو عاد إلى التنكر لأي حق للفلسطينيين بأرضهم. الصراع موضوعياً سيستمر، فهو صراع تاريخي وشامل ومفتوح.
وعن لقاء الفصائل الفلسطينية في موسكو، وتقييمه لهذا اللقاء، قال:
لقاء الفصائل الفلسطينية في موسكو لم يلبي الغرض المطلوب، ولم يكن بمستوى تضحيات شعبنا وصمود مقاومتنا، فهو نداء استغاثة لنجدة شعبنا ووقف معاناة أهلنا في قطاع غزة، وتكرار لخطاب المهادنة السياسية، وعدم القطع مع الخيار السياسي التفاوضي أو مع الرهانات الجوفاء على الرباعية الدولية والمجتمع الدولي. دون البحث بضرورة الوحدة الوطنية وإعادة الإعتبار إلى مكانة ودور منظمة التحرير الفلسطينية، وتوحيد الأداء القيادي والميداني في مواجهة الأخطار التي تستهدف الوجود الفلسطيني والأرض الفلسطينية.
بعد استقالة رئيس الوزراء د محمد اشتية هناك دعوات لتشكيل حكومة تكنوقراط، هل تعتقدون أن مثل هكذا حكومة تقنية بعيدة عن برنامج السياسي ممكن ان تنهض بالوضع الفلسطيني والتصدي للمهام الكبرى؟
الحكومة الفلسطينية وبغض النظر عن طبيعتها( وفاق وطني، تكنوقراط، حكومة وحدة وطنية ) فهي جهة تنفيذية، والمفترض أنها تعمل تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وهي أي المنظمة مرجعيتها باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد، المهم بالنسبة لنا بناء المنظمة وتفعيل مؤسساتها وضمان مشاركة جميع الفصائل، والاتفاق على برنامج سياسي يصون الحقوق الفلسطينية كاملة، وبرنامج إنقاذي يلبي مرحلة ما بعد العدوان، ويغيث شعبنا ويثبته ويحفظ له كرامته.