تحليلات و آراء

مقاربة في القضية الفلسطينية وثوابت الأرض والإنسان والمقاومة

سليم الزريعي

يخطئ من يعتقد أن استشهاد أو غياب شخص  طبيعي أو حتى خسارة حزب أو حركة  لمعركة، يمكن أن يعني نصرا نهائيا للكيان الصهيوني، وإنما هي واقعة في سيرورة الكفاح الفلسطيني من أجل نيل حقوقه كاملة غير منقوصة، كون الصراع يدور الآن في لحظة تاريخية مفارقة، جعلت الفلسطيني يخوض وحده دون محيطه العربي والإسلامي هذا الصراع الممتد منذ أكثر من قرن، بين مجموعات بشرية طارئة تدعمها قوى إمبريالية، وبين أصحاب الأرض، سدنة المكان وحراس الذاكرة والوعي الممتد عبر الزمان، حيث الشعب ومفهوم المقاومة بمعناه الشامل في سياقاته الفكرية والسياسية والعملية ارتباطا بشرط الزمان والمكان؛ كمعطى مستقل عن حوامله كونه يتمتع بالديمومة، فيما الحوامل وهي القوى المختلفة ليست كذلك، وإنما هي قوى يصيبها الضعف والشيخوخة مع الزمن؛ في حال لم تحقق التحرير والعودة حتى ذلك الحين، ولذلك فإن المقاومة كمفهوم فهي ثابت مستقر، إضافة إلى الثابتين الأساسيين الأرض والشعب، ولذلك فإن هذه الثلاث مسلمات، فهي ضمانة بقاء القضية حية،  في سياق حرب وجودية، بين المحتل والشعب الواقع تحت الاحتلال. 

ويمكن هنا القول؛ إنه خلال تلك العقود جرت مياه كثيرة في نهر الكفاح الفلسطيني وعلى امتداد تلك المساحة، كان الشعب الفلسطيني وقواه الحية واعيا  ومدركا لذلك المشروع الذي يستهدف اقتلاعه من أرضه، ولم يبخل بالتضحية بالغالي والنفيس عبر كل أشكال النضال من أجل الحفاظ على وطنه في مواجهة مؤامرة هي أكبر من قدراته تقودها بريطانيا الدولة المنتدبة والغرب الإمبريالي والمسيحية الصهيونية، وشارك في هذه المواجهة عبر أشكال مختلفة كل مكونات الشعب الفلسطيني، حتى بات اقتناء البارودة (البندقية)  في المخيال الشعبي الفلسطيني شرف يسعى الجميع للحصول عليه، كون البارودة رمز للكرامة والدفاع عن الأرض والعرض، التي يمكن تكثيفها في مفهوم المقاومة، ولذلك حملت البارودة (البندقية) رمزيةً كبيرةً جداً في الوعي الشعبي والذاكرة الفلسطينية، تمثلت في الأغاني والأمثال والتناويح( الرثاء الشعبي) والفن التشكيلي والملصقات. 

وهذا لأنه قُدّر لهذا الشعب الصامد الصابر، أن يواجه عبر مكوناته المختلفة، ومنذ عشرينيات القرن الماضي، المستعمر البريطاني، وعصابات الحركة الصهيونية بكل أشكال المقاومة، حتى في ظل القانون الذي كان يعاقب بالإعدام  كل فلسطيني وُجد لديه سلاح حتى لو كانت “رصاصة فارغة”، وبعد النكبة تغير شكل النضال وحوامله، بأن بدأت قوى جديدة من الحركة القومية، والحركة الوطنية  (حركة فتح) مشروعها الكفاحي، عندما أعلنت بدء العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني من أجل تحرير المحتل من فلسطين حينها، وقت أن كانت الضفة تابعة للأردن، وقطاع غزة تديره مصر، حتى كانت هزيمة يونيو 1967 بأن احتلت الضفة وقطاع غزة، لتصبح كل فلسطين تحت الاحتلال، هنا بدأت العديد من القوى تنخرط في الكفاح المسلح، الذي أصبح هو المظهر العام للمقاومة من  أجل التحرير وتحقيق العودة، لكن معظم تلك القوى غادر هذا الشكل من النضال عمليا بعد اتفاق أوسلو، أو لأسباب تتعلق بالشيخوخة، أو بسبب الظرف الموضوعي والذاتي. 

 وعلى ضوء تلك التجربة التي انتهت باتفاق أوسلو سيء الصيت والسمعة التي أنهت الكفاح المسلح رسميا، واستعاضت عنه حتى في ظل حرب الإبادة، بما يسميه محمود عباس المقاومة الشعبية السلمية، وهذا يعني تغييب فتح التي كان لها شرف، الطلقة الأولى في الثورة الفلسطينية، وعلى ضوء ذلك يمكن القول، إن أي حوامل (أحزاب وحركات وفصائل) لشكل من اشكال المقاومة في فترة زمنية معينة، سواء كانوا اشخاصا طبيعية أو معنوية، هم نتاج لحظة تاريخية معينة قد تطول أو تقصر، ارتباطا بالعوامل الذاتية والموضوعية وجملة العوامل الخارجية، وعوامل النمو والشيخوخة، كون الصراع طويل ومعقد، ويدور بين الشعب الفلسطيني والحركة الصهيونية وتجسيدها المادي الكيان الصهيوني المدعوم من القوى الإمبريالية الغربية وكل القوى اليمينية في العالم، تحت ادعاء مسيحي توراتي تمثل المسيحية الصهيونية لافتته الأساسية وعرابه، تجسيدا لخرافة معركة “هرمجدون” المتخلية التي ستدور في فلسطين “في الوادي الفسيح المحيط بجبل مجدون في أرض فلسطين وأن المسيح سوف ينزل من السماء ويقود جيوشهم ويحققون النصر على الكفار”. 

وهي ربما خرافة لا تدحضها وفق أي مقاربة عقلية طبيعة الحروب اليوم؛ فما بالك بالمستقبل، وإنما أيضا في كون الصراع هو بين الفلسطيني صاحب الحق التاريخي الثابت في وطنه، أي الأرض، وبين الطارئين على المكان، من بين دفات كتاب أثبتت حفريات العلماء اليهود الإسرائيليين، طوال عقود، أن ما جاء  في ذلك الكتاب، الذي اقامت علية الحركة الصهيونية مشروعها، هو مجرد “أساطير”، في حين أنهم في الواقع غزاة في سياق مشروع كولنيالي، مهما كانت اللافتة التي يختبئون خلفها،  ومن ثم فإن الصراع هو بين صاحب الأرض،  وبين المحتل، ولس بين مؤمنين وكفار.  

هذا الصراع قد يغيب فيه أشخاص طبيعيين  وحتى قوى، مثال ذلك أن جميع القوى التي شاركت في طوفان حماس باستثناء فصيلين هي قوى لم تكن موجودة عند انطلاقة الكفاح المسلح عام 1967 وبعد عقدين التحق البعض مع اندلاع  الانتفاضة الأولى، فيما البقية ففي فترات لاحقة بعد ذلك، لكن المشكلة هي عندما يتوهم البعض ” أنه هو المقاومة، والمقاومة هو”، ولذلك فهو  يعتبر خسارة حزب أو مجموعة قوى لمعركة، وربما يغالي البعض فيضيف إليها خسارة أشخاص، فإنها ستكون نهاية القضية، وهذا وهم وعسر فهم، يقع فيه البعض، لأن القضية ستبقى حية ومشتعلة طالما الشعب الفلسطيني موجود وثابت على أرضة، باعتباره هو الثابت والحوامل متغيرة، وهنا من المفيد القول إن خسارة المتحدث باسم القسام هي خسارة معنوية كبيرة، لكن هناك من سيحل محلة، وهنا من المفيد التذكير بالشهيد غسان كنفاني القائد والمفكر والمبدع والإعلامي ورئيس تحرير مجلة الهدف الذي يتجاوز حضوره الوطن العربي إلى العالم، عندما استهدف الكيان عقل الجبهة الشعبية آنذاك، ومع أن غسان لا يعوض، لكن استمرت الهدف كأحد أشكال النضال من أجل ثقافة ووعي ومعرفة  أرقى على طريق التحرير والعودة، كما بقي إرث غسان حاضرا عبر الأجيال.. 

ومن ثم، لما كانت المقاومة بكل أشكالها ليست خيارا، بل هي قدر الشعب الفلسطيني، فمن الطبيعي أن تكون هناك تضحيات، وربما هزائم، وتغيب قوى وأشخاص، لكن ذلك لا يجب ولا للحظة أن ينسينا أن المشروع الصهيوني في فلسطين إلى زوال مهما طال الزمن، طالما الشعب الفلسطيني مزروع في أرضه، ولديه ثابت المقاومة بكل أشكالها  والأرض والإنسان الفلسطيني. 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى