مشاركات وترجمات

غزة رسالة في زجاجة

باسل عليا .. كاتب سوري..سورية
باسل عليا .. كاتب سوري..سورية

إن الحديث عن ملائكة الرحمة(الأطباء) يذكرني بمثل إغريقي: (اليد التي تمد بها بالدواء قبل الدواء)؛ وذلك للتأكيد على المعاملة والأسلوب الذي يتلقاه المريض وكيف يمكن أن يؤثر على شفاء المريض بسرعة .

لكن بعد 7 اكتوبر ارتفع عدد الشهداء من الأطباء والكوادر الطبية في غزة إلى 1600 شهيد. وكان الاستهداف ممنهجا للكفاءات الطبية وأخرها الطبيب مروان السلطان مدير المستشفى الأندونسي استشهد وزوجته وأولاده الخمسة. لقد صمد بين الجرحى وتحت القصف حتى اللحظات الأخيرة رغم حصار الاحتلال المتكرر للمشفى وإخراجه عن الخدمة. ظلت روح العزيمة والاصرار لإنقاذ الأرواح ولإيصال الرسالة الإنسانية وتلقين العالم الحر درساً حتى اللحظات الأخيرة من حياته، وهذه الرسالة ليست غريبة على الشعب الفلسطيني ؛فهنالك رسائل كثيرة قدمتها الطواقم الطبية: من صورة سيارة الإسعاف تحاول إنقاذ النساء والأطفال رغم القصف الشديد، والرسالة الأهم وصية الدكتور الشهيد باسل مهدي الذي كتب رسالته وهو على رأس عمله داخل المستشفى قائلاً: “ما في حدى بموت ناقص عمر بس في ناس راح تموت ناقصة كرامة وناقصة إنسانية وناقصة مبدأ خبتم وخابت عروبتكم ولا حياكم الله ولا سامحكم الله”.

ورسالة الأسير الشهيد الذي استشهد تحت التعذيب الدكتور عدنان الرش الذي لم يزر بيته منذ بداية الحرب حيث قال:” لقد أدينا الرسالة إحنا مش موظفين، نحن نعمل عمل وطني وعمل انساني وشعبنا يتنفس عزة وكرامة”.

أما الرسالة الأهم هي التي حاول إيصالها البروفيسور الفلسطيني غسان أبو سته حيث أن سلطات مطار شارل ديغول منعته من دخول فرنسا، وكان من المفترض أن يتحدث في مجلس الشيوخ الفرنسي وتهمته أنه تطوع لأسابيع في مستشفيات غزة وذلك لإسكات شهود الإبادة الجماعية. ولم تكن السلطات الالمانية بعيدة عن منع د. غسان من دخوله للمشاركة في مؤتمر فلسطين في برلين. كيف ننسى رسالة الدكتورة اّلاء النجار التي فقدت زوجها وأولادها.

هذه الاستهدافات ليست عشوائية بل مرصودة وممنهجة. والرسالة الأعظم هي للدكتور حسام أبوصفية مدير مستشفى كمال عدوان الطبيب الذي أصيب عدة مرات ودفن ابنه قبل أن يتعرض للأسر. مشى بين الركام ليصل إلى الدبابة الاسرائيلية ولا يعرف عنه أي معلومة حتى الاّن.

والملفت رسالة الطبيب الأمريكي فيروز سيدهوا المتطوع في غزة يدلي بشهادته أمام مجلس الأمن يقول:” لم أر أو أعالج أي مقاتل خلال الأسابيع الخمسة التي قضيتها في غزة؛ مرضاي كانوا من الأطفال والمصابين بشظايا، والنساء الحوامل بترت أحواضهن. ما شهدته من استهدافات وتدمير في مجمع ناصر الطبي لم اشهده في حياتي.”

ورغم رسائل التضامن العالمي وأهمهم البريطانية آن إم جونز والتي عمرها ثلاث وثمانون عاماً تتسلق هي وفريقها دعماً لغزة، والمخرجة إلزابيت فرانيه تدعم فلسطين بافتتاح مهرجان روتردام للفيلم العربي.

والفنانة النروجية هيلاري أليسون ترفع علم فلسطين وتقول :هذا ليس مجرد علم دولة بل هو علم أقوى أمة على وجه الأرض.

وتعد هذه الرسائل والشهادات مروعة .ومخزية وتبقى عيوننا شاخصة ومليئة بالدموع، على عالم لا يحكمه إلا لغة القوة والتوحش والشعارات؛ رغم القوانين الدولية لحماية الأطباء والطواقم الطبية والبنية التحتية.

لكن هذه القوانين للاستهلاك والإعلام والضحك وأنا أعرف جيداً أن هذه الرسائل الفلسطينية قد فات الأوان عليها لكن نحكيها كي لا تتكرر هذه اللعنة؟!.

باسل عليا.. كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى