طوفان حماس.. أي حصاد؟!

وشعبنا يجني حصاد عامين من المحرقة دما وتهجيرا وموتا مجانيا، جراء ما عاشته غزة من نكبة استمرت عامين وما تزال، كذلك الضفة الغربية، وإذا كان استمرار المحرقة مرتبطا بشكل أساسي بقضية الرهائن، أليس مثيرا للاستغراب أنها قد انتهت بهذه السهولة، بأن وافقت حماس على إطلاق سراح كل الرهائن أحياء وأمواتا مرة واحدة وفق خطة السمسار ترمب؟.
السؤال
هنا يصفعنا جمعيا، هذا السؤال الأخلاقي المشاكس لم الآن وليس قبل أن تدمر غزة على رؤوس أهلها؟ ويدقع أهلها كل هذا الثمن؟ ولم لم تقم حماس بذلك منذ البداية وتجنب أهل غزة هذه النكبة غير المسبوقة التي أعادت القطاع وأهله على كل الصعد عقودا إلى الوراء؟
ولأن الأمور تقاس بنتائجها مقارنة بأهدافها، فكيف نوصف وضع القطاع تحت الوصاية الدولية وفق خطة ترمب؟ كأحد النتائج المبهرة لطوفان حماس، هل نضعه في خانة الإنجازات؟ أم الخسائر؟ وماذا نسمي استحداث المنطقة العازلة التي تحيط بالقطاع، على امتداد 62 كم²، لتشمل مناطق حدودية لمنع عودة السكان وتعزيز سيطرة الكيان. أي أن (17% من مساحة غزة)، ذهبت ارباحا للكيان الصهيوني من الطوفان.
التفاصيل
تقول خطة السمسار ترمب ”بعد إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، سينسحب جيش الاحتلال من مناطق القتال، لكنه سيبقى في قطاع غزة، ووفقًا للخطة، ستقف قوات الجيش الصهيوني على “الخط الأصفر”.
وبعد دخول القوات الأجنبية إلى القطاع (قوات الوصاية)، وهي عملية ستستغرق شهورًا وفقًا للخطة، سينسحب الجيش الإسرائيلي إلى ما يُسمى “الخط الأحمر”، مع تسليم السيطرة إلى قوة عربية أجنبية تعمل بتكليف أمريكي. وفي المرحلة النهائية، سينسحب الجيش الإسرائيلي من القطاع ويتمركز في المنطقة العازلة وتشمل، المساحة المحيطة بالقطاع، ومحور فيلادلفيا على الحدود المصرية.، وتلة السبعين. (المعروفة باسم تلة المنطار شرق غزة)
أهداف الطوفان
هنا يبدو مهما أن نستحضر أهداف طوفان حماس التي أعلن عنها رئيس مكتبها السياسي، الذي قال “هو تحرير الأراضي الفلسطينية والمقدسات والأسرى، وأن غزة اليوم تمسح عن الأمة عار الهزائم وعار السكون والهزيمة. وتنبأ هنية، أن عملية “طوفان الأقصى” بدأت من غزة وسوف تمتد إلى الضفة والقدس والـ48 وأيضا إلى شعبنا في الشتات”.
لكن خطاب هنية الشعبوي العاطفي لم يكن يستند إلى معطيات موضوعية، وإلى تقدير علمي صارم للموقف، وتعامل مع الأمر كأنه “فزعة” وفي اتجاه واحد، ليبقى خطاب هنية مجرد هتاف، لكنه تحول بصرف النظر عن النوايا إلى خراب غير مسبوق شمل الضفة وغزة ودول الجوار ، ويبدو صائبا تماما وتجاوز لحالة التقديس المراوغ لمفهوم المقاومة ما قيل إلى حماس في أحد اجتماعات الفصائل في أغسطس الماضي في القاهرة، من أنه حتى الآن “لم نستطع استثمار(الطوفان) في تحقيق أي إنجاز لشعبنا، ويجب ألا تتحول الى نكبة بفعل الانقسام والتشظي وسوء الحالة العربية وعدم التقاط الفرصة باللحظة المناسبة”.
الفرصة
وتشير وقائع تدمير غزة بشرا شجرا وحجرا وبنية تحتية وما لحق بالضفة ولبنان وإيران أن الكيان “حول الطوفان ، من تهديد إلى فرصة للكان الصهيوني لحسم الصراع، وتهجير شعبنا وتصفية القضية الفلسطينية، ويسعى لتحويل 7 أكتوبر إلى لعنة”. لكن يبدو هنا أن هناك من يعتقد أن، الحصول على مقعد على مائدة الرئيس ترمب الافتراضية هو الاستثمار الأمثل، وأنه لا عزاء إلى عشرات الآلاف من شهداء غزة الذين اعتبرهم أحد سكان الدوحة من قادة حماس “خسائر تكتيكية” للأسف.
ومع ذلك من غير الممكن الإحاطة ببؤس الواقع دون قراءة مشاكسة لخطة ترمب، التي تهدف إلى هندسة وضع العقل الغزي، كأحد التجليات المباشرة للطوفان، كي تُصبح غزة وفق ما زعمت خطته منطقة خالية من التطرف والإرهاب، ولا تشكل تهديدًا على جيرانها.
الخطة
لكن غزة الحرة المستقلة التي هي جزء من الدولة الفلسطينية، ستفقد هذه الصفة، وستوضع تحت الوصاية حيث ستُدار مؤقتًا عبر لجنة فلسطينية مهنية غير سياسية، تتولى إدارة الخدمات العامة والبلدية. ستتألف اللجنة من فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين، وتخضع لإشراف كيان دولي جديد – “مجلس السلام” – برئاسة الرئيس ترمب، إلى جانب زعماء آخرين، من بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير. سيتولى هذا الكيان وضع الإطار العام وتنسيق التمويل لإعادة إعمار غزة حتى تُنجز السلطة الفلسطينية برنامج الإصلاح وتتمكن من استعادة السيطرة على غزة.
لا لحماس
بل إن حماس نفسها وكل الفصائل ستلتزم بعدم المشاركة في الحكم في غزة. وستُدمّر كافة البنى التحتية لما سمته الخطة “الإرهاب والقتال”، بما في ذلك الأنفاق ومرافق تصنيع السلاح، ولن يُسمح بإعادة بنائها. وسيُنفَّذ نزع السلاح تحت رقابة دولية، ويشمل تدمير الأسلحة ضمن آلية متفق عليها، إلى جانب برنامج شراء الأسلحة وإعادة دمج المقاتلين، بتمويل دولي.
وستعمل الولايات المتحدة مع شركاء عرب ودوليين على تشكيل قوة استقرار دولية مؤقتة (ISF) تبدأ عملها فورًا في غزة. ستقوم هذه القوة بتدريب ودعم قوات شرطة فلسطينية مختارة، بالتنسيق مع الأردن ومصر. وستكون هذه القوة حلًا أمنيًا داخليًا بعيد المدى، وتعمل مع إسرائيل ومصر لتأمين الحدود ومنع تهريب السلاح.
تخطي
بل إن الخطة تحذر حماس أنه في حال أخرت أو رفضت الاقتراح، فسيُوجَّه الدعم فقط إلى المناطق التي نُزِعت منها الأسلحة، والتي تُسلَّم من الجيش الإسرائيلي إلى ISF.
وعي
وفي سياق كي الوعي سيُنشأ إطار حوار ديني بين الأديان قائم على التسامح والسلام، لتغيير المفاهيم والسرديات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتسليط الضوء على فوائد السلام.
سؤال المسؤولية
والسؤال الأهم هو من يتحمل نتائج نكبة غزة؟ وبالطبع ليس فقط الأداة التي نفذت وهي العدو الصهيوني، ولكن أيضا من منحها الفرصة بسوء تقديره، وعدم قيامة بما يلزم لحماية أهل غزة، وهو الذي كان سلطة الأمر الواقع، الذي مكن العدو من هذه الفرصة، دون بحث لكل السيناريوهات المتوقعة، وربما بؤس منطق حماس يكشفه ما قاله موسى أبو مرزوق “لو كنا نعرف أن هذا سيحصل، ما كنا لنوافق على عملية الطوفان” والسؤال أليس هذا المنطق يعكس استهتارا، وغياب للحس بالمسؤولية؟، نقول هذا ليس من أجل تصفية حساب ما مع جهة معينه، وإنما حتى لا تتهم المقاومة وحواملها بأنهم بدون عقل عاقل، ولأن شرط النزاهة الفكرية والسياسية والأخلاقية يقول ذلك، لأن الأمر يتعلق بالشعب والقضية، وحتى لا يخرج علينا بعد ذلك، من يصور الطوفان أنه كان انتصارا للشعب والقضية، في حين أن الوقائع تكذب ذلك، كون المعطيات بعد عامين على طوفان حماس، تقول إن إحدى نتائج الطوفان هي انقلاب صورة المشهد الجيوسياسي في المنطقة رأسا على عقب، مما جعل الكيان الصهيوني يتبجح بأنه غير منطقة الشرق الاوسط لصالح مشروعه التوراتي، أي ما يسمى اسرائيل الكبرى.
كلمة أخيرة
من المهم هنا التأكيد أن المقاومة بكل أشكالها ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما تمارس من أجل تحقيق هدف سياسي مشروع، وهذا ما يميز المقاومة عن أي فعل عنف آخر. وإلا جرى توصيف الفعل بأنه فعل عبثي وربما وُسم الفعل بالإرهاب. وقد يكون تحقيق الهدف السياسي ضمن سياق سقف زمني منظور، وقد يكون هدفا استراتيجيا ويتحقق فيه الهدف عبر قانون التراكم. ويمكن القول إن المقاومة ليست قيمة في ذاتها، ولكنها قيمة بتحقيق أهدافها، ولذلك ستبقى المقاومة الفعل والأدوات خيارا وليس قرارا فلسطينا دائما ما دام الاحتلال قائما حتى يحقق الشعب الفلسطيني كامل أهدافه.
سليم الزريعي