اليوم التالي في غزة.. والمقاربات المتباينة

سليم الزريعي
ما يزال الكل في المنطقة والعالم ينتظر انتهاء المرحلة الأولى من صفقة سلام الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، التي فرضت على حماس.. الوصول إلى المرحلة الثانية ؛ مما سمي باتفاق السلام ذو العشرين نقطة، التي هي عناوين لهندسة مستقبل غزة والقضية الفلسطينية، وفق تصور الولايات المتحدة وإلى حد ما الكيان الصهيوني، التي هي في الواقع جوهر الصفقة..
وهنا يجب القول بأنه رغم أن خطة ترمب بنقاطها العشرين، هي تجلي لميزان القوى ونتائج حرب الإبادة التي شنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة عقب طوفان حماس، وهي النتيجة التي يكثفها مفهوم ” حرب الإبادة” في العمق.. ومع ذلك فإن هناك عقبات.. تتعلق بقبول حماس والفصائل استثمار ذلك على حسابهم.. باعتباره أمرا واقعا.
الصفقة
ومن ثم فإذا كان هناك من يعتقد أن الوصول لليوم التالي سهلا، فإنه يتجاهل تلك التعقيدات التي تحملها خطة ترمب، والاستحقاقات المترتبة عليها، والدور الفلسطيني في هذه الخطة، وربما أحد هذه المشكلات التي تتعلق بخطة ترمب هو في اعتبارها “صفقة” حسب توصيف وزير خارجيته، ذلك أن الصفقة تؤخذ في كليتها جملة وتفصيلا. وليس كما يقول أي طرف آخر سواء كان حماس أو غيرها، في حين أنه لم يسجل أي تحفظ مكتوب على أي بند من بنودها عند التوقيع. ليأتي توصيف وزير الخارجية الأمريكي عن خطة ترمب بأنها صفقة، ليصدم كل واهم، أو متذاكي، وبما يعني أن الموافقة على الخطة الصفقة، هي موافقة على تنفيذ كل بنودها بحسن نية. وإلا وضع نفسه ليس في مواجهة الكيان الصهيوني الذي يبحث عن ذريعة لمواصلة محرقته، وإنما المجتمع الدولي أيضا. لكن مع ذلك فإن النجاح في فرض التوقيع على الصفقة. لا يعني الاستعداد لتنفيذها بحسن نية.. سيما إذا كان هذا الطرف قادر على العرقلة.
سلاح حماس
ويبرز معيار تلك القدرة في نزع وتدمير سلاح حماس، التي تعتبر ضمن أولويات الخطة، انطلاقا من عدم واقعية أي حديث عن إعادة إعمار غزة دون تنظيفها من السلاح من وجهة نظر المانحين على الأقل؛ حتى لا يتكرر السيناريو الممتد منذ 27 ديسمبر 2008 بالرصاص المصبوب، وصولا إلى 7 أكتوبر 2023 بعد طوفان حماس، وهنا لا يهم ماذا تقول حماس؟ وإنما ماذا تقول الولايات المتحدة؟ والمسألة لا تتعلق بالحق والقانون. العدالة، ولكن بالنتائج التي قررتها حرب الإبادة، عندما سُلمت رقاب الفلسطينيين إلى الولايات المتحدة بكل إرثها العدواني المنكر لحقوقهم الثابتة في وطنهم.
وخلافا لرواية حماس التي تقول إن مسألة السلاح هي مسألة فلسطينية داخلية تبريرا لمبدأ رفضها التخلي عن السلاح، مع أنها كانت قد وافقت على خطة ترمب التي تقول أحد نقاطها.. “سيتمّ تدمير كل البنى التحتيةالعسكرية والإرهابية والهجومية، بما في ذلك الأنفاق ومنشآت إنتاج الأسلحة، ولن يُعاد بناؤها. ستكون هناك عملية لنزع السلاح من غزة تحت إشراف مراقبين مستقلّين ستشمل وضع الأسلحة خارج الخدمة بشكل دائم، عبر عملية نزع سلاح متّفق عليها ومدعومة ببرنامج لإعادة الشراء وإعادة الإدماج مموّل دوليا، على أن يتمّ التحقّق من كل ذلك من المراقبين المستقلّين. ستكون غزة الجديدة ملتزمة بالكامل بناء اقتصاد مزدهر والتعايش سلميا مع جيرانها”.
مقاربة غير حمساوية
وفي سياق فهم مقتضيات بنود الخطة كما صاغتها الإدارة الأمريكية ، جاء تحذير ترمب في مقابلة مع مجلة تايم حماس من النكث بالتزاماتها أي ” إذا لم يلتزموا، سيكونون في ورطة كبيرة. لقد وافقوا على نزع السلاح..”..وضمن هذه المقاربة أكد وزير الخارجية الأمريكي أن نزع سلاح غزة هو جزء “أساسي” من الاتفاق. وأضاف: “إذا رفضت حماس نزع سلاحها، سيمثل ذلك انتهاكاً للاتفاق، ويجب تحقيق ذلك… هذه صفقة، والصفقة تتطلب الالتزام بشروطها”.
ليأتي تصريح رئيس وزراء قطر الصادم أمام مجلس العلاقات الخارجية خلال زيارة يقوم بها لنيويورك حول قضية نزع السلاح، عندما شدّد على أن:”من واجب جميع الفصائل، بما في ذلك حماس، نزع أسلحتها لضمان أن يشعر كلٌّ من الإسرائيليين والفلسطينيين بالأمن.”
وأضاف أن الهدف هو أن تكون السلطة الفلسطينية الجهة الوحيدة التي تتحمل المسؤولية والصلاحية في إدارة الشأن الفلسطيني، مشيرًا إلى أن قطر تحاول ممارسة ضغط على حماس للتخلي عن سلاحها….وهذا يعني أن مسألة التوافق على نزع السلاح ليست أمريكية صهيونية فقط، بل وعربية إسلامية ايضا.
لجنة إدارة غزة
وإذا كان نزع السلاح هو الأصعب نظرا لرمزيته في الوعي الفلسطيني، ثم لأن حماس من جهة أخرى، تقول بوضوح إنها لن تتخلى عن سلاحها كونها تفقد مبرر وجودها.، غير أن تشكيل إدارة تتولى السلطة المحلية في غزة ، مسألة ليست سهلة كذلك، لأن لها أبعاد تتعلق بالشرعية، ذلك أن أي تصور لوجود إدارة حكم لا تتمتع بغطاء منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين التي تحظى باعتراف أكثر من 150 دولة، هي في المحصلة نسف لفكرة الدولة الواحدة جغرافيا وديمغرافيا وخدمة للمشروع الصهيوني.. وتكريس للانقسام الذي جاء جراء انقلاب حركة حماس يونيو 2007 وسيطرتها على القطاع وفصله عن الضفة.
سيما بعد أن اتفقت فصائل فلسطينية، باستثناء «فتح»، خلال اجتماعها لها في القاهرة على دعم اتفاق وقف إطلاق النار وتسليم إدارة قطاع غزة إلى لجنة فلسطينية مؤقتة من المستقلين، إلى جانب إنشاء لجنة دولية تشرف على تمويل وتنفيذ إعادة إعمار القطاع. دون ذكر لمرجعية اللجنة الشرعية والقانونية، لذلك كشف المتحدث باسم حركة فتح عبد الفتاح دولة، في تصريح خاص لصحيفة «الشرق الأوسط» أن مرجعية اللجنة الإدارية لإدارة قطاع غزة كان قد تم التوافق عليها قبل عام مع مختلف الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حركة حماس، مشيراً إلى أن التفاهمات تنص على أن تكون اللجنة ضمن الإطار الشرعي للحكومة الفلسطينية وبرئاسة وزير منها، بما يضمن وحدة النظام الإداري والمؤسساتي للدولة الفلسطينية.
وكانت أحد نقاط خطة ترمب قد نصت “تلتزم حماس والفصائل الأخرى بعدم أداء أيّ دور في حكم غزة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر أو بأيّ شكل من الأشكال..”..ويمكن القول هنا إنه لا شرعية وطنية لأي لجنة، بعيدا عن شرعية الدولة الفلسطينية.
القتل مستمر
وفيما تحاول العديد من الأطراف التوافق على القوة الدولية التي تحقق الاستقرار، سواء لمرجعية هذه القوة والتفويض الذي ستقوم بعملها على أساسه، وهل هي لفرض السلام؟ ووفق هذا العنوان ترفض الكثير من الدول المشاركة فيها.. أم أنها لحفظ السلام؟ يستمر القتل اليومي يلاحق أهل غزة…. في ظل عدم كفاية المساعدات التي تدخل كأحد الأوجه غير الإنسانية لما يجري، وسط تقاعس الجهات الضامنة عن لجم هذه العدوانية، وإزالة كل أسباب، هذا الموت المجاني المستمر حتى الآن… ليبقى سؤال هل تنفجر دوامة الصراع مجددا؟.. سؤالا واقعيا بامتياز.. في ظل المقاربات المتناقضة لتقييم حرب العامين على غزة.. ومن ثم القبول بنتائجها..













