الغرب الاستعماري.. وشريعة القوة-2

سليم يونس الزريعي

*من مخطوط..”الأمم المتحدة..سلطة الـ”Veto” تصادر دور التنظيم الدولي”

إلا أن الاستعمار الأوروبي من خلال سياسات الضم والإلحاق التي لم تتوقف، سعَّر الخلافات بين الدول الأوروبية الكبرى بسب تباين المصالح، كون الاستعمار في مظهره العام والأساسي كان أوروبيا، فشهدت أوروبا حروبا عديدة شاركت فيها معظم دول القارة، إلا أن مرارة تجربة تلك الحروب، دفعت بعض الدول إلى السعي من أجل تقنين هذا التعارض في المصالح، من ذلك أن هناك محاولة مبكرة جرت، اتفق بموجبها ملوك إسبانيا والبرتغال بمقتضى اتفاقية “تورد يسيلاس” Tordesilas، في عام 1494 على تقسيم المناطق التي يمكن لكل من الدولتين، أن توجه إليها جهودها لاكتشافها في أقاليم جديدة، وجعلوا من حق الاكتشاف لهذه الأقاليم الأساس في حق السيادة.

إلا أن مسببات الصراع لم تنتهي، كونها أدت في مرحلة لاحقة بعد انهيار الإمبراطورية الجرمانية وازدهار حياة القوى البروتستانتية إلى نشوب حرب الثلاثين عاما(1618-1648)، التي اشتركت فيها معظم دول القارة الأوروبية آنذاك، وبانتهاء الحرب أُبرمت معاهدة وستفاليا عام 1648 (7)، لكن توقيع المعاهدة لم يمنع عودة الصراع مجددا، وهذه المرة بين فرنسا وبريطانيا، ليعودا ويؤكدا في اتفاقية وايت هول عام 1686علی مبدأ مفاده، أن الصراعات حول الأقاليم المستعمرة يجب أن لا تؤثر على العلاقات السلمية في أوروبا (8).

واستقر الوضع في أوروبا على تلك الحال من العلاقات السلمية، إلى أن سعت فرنسا في عهد لويس الرابع عشر إلى توسيع ممتلكاتها على حساب الدول الأوروبية المجاورة، ليشكل ذلك التصرف، إخلالا بالمبدأ الذي كان قد أقره مؤتمر وستفاليا عام 1648، الذي تمثل في “مبدأ توازن القوى”، بما يعني ذلك من رفض التوسع على حساب الدول الأخرى، لكن إخلال فرنسا بذلك المبدأ، أدى إلى قيام تحالف بين الدول الأوروبية الأخرى ضد فرنسا، ومن ثم محاربتها.

وهي الحروب التي عصفت بالقارة الأوروبية وساهمت في خلق مناخات، من رحمها جاءت الثورة الفرنسية عام 1789، بكل ما حملته من مبادئ وأفكار، حول حق الأمم في اختيار النظام السياسي الذي يروق لها، ولا شك أن تلك الأحداث قد لعبت دورا مركزيا في تغيير الوضع الذي كانت عليه العلاقات الدولية في أوروبا في القرن الثامن عشر.

لكن الخشية من أفكار ومبادئ الثورة الفرنسية دفعت الدول الأوروبية الملكية آنذاك، إلى العمل ضد الثورة ومبادئها بالتكتل في مواجهتها للحد من؛ ومنع انتقال تلك الأفكار إلى شعوبها، إلا أن ذلك المد للثورة الفرنسية قلبه نابليون من فكرة لتحرير الشعوب الأوروبية إلى فكرة  لاستعبادها، من خلال سعيه إلى خلق امبراطورية بزعامة فرنسا عبر الحرب، عندما قان باجتياح الدول الأوروبية، وهو الأمر الذي رفضته تلك الشعوب، وانحازت على ضوء ذلك باتجاه تأييد ودعم والوقوف مع ملوكها وأمرائها في حربهم ضد نابليون حتى تمت هزيمته (9)، لتطوى بذلك إحدى صفحات التاريخ الأوروبي الدامية.

إلا أن النهم الاستعماري الذي حكم سياسات الدول الأوروبية لم يقف عند حد، بعد أن تمكنت الدول الاستعمارية الأوروبية، من الاستيلاء على أراض تربو مساحتها بنحو 20 مرة أو 100 مرة قبل الحرب العالمية الأولى، من ذلك أن ألمانيا استحوذت على مستعمرات تزيد مساحتها عن 2 مليون كيلو متر مربع، وكانت الدول الأخرى تستحوذ حتى عام 1936 على مساحات شاسعة من المستعمرات، فبريطانيا بلغت مساحة مستعمراتها 34 مليون كيلو متر مربع، وتعادل مساحة بريطانيا التي تبلغ 245 ألف كيلومتر مربع، 140 مرة.

أما بلجيكا ومساحتها 30 ألف كيلو متر مربع، فكانت مساحة مستعمراتها، 2 مليون و400 ألف كيلو متر مربع، فيما بلغت مساحة مستعمرات هولندا التي لا تتجاوز مساحتها 34 ألف كيلو متر مربع، 2 مليون و20 ألف كيلو متر مربع، وكانت مساحة مستعمرات البرتغال التي تبلغ مساحتها 88 ألف كيلو متر مربع، 2 مليون و27 ألف كيلو متر مربع، أما فرنسا ومساحتها 451 ألف كيلو متربع مربع، فبلغت مساحة مستعمراتها 12 مليون و170 ألف كيلو متر مربع، أما مساحة مستعمرات إيطاليا فبلغت  2 مليون و19 ألف كيلو متر مربع، فيما مساحتها 312 ألف كيلو متر مربع(10).

أي أن تلك الدول الأوروبية الست المتنافسة، التي تبلغ مساحتها مليون و160 ألف كيلو متر مربع، كانت تستعمر دولا مساحتها 54 مليون 636 ألف كيلو متر مربع، وتعادل 47 ضعف مساحة الدول الاستعمارية الأوروبية الست.

 ولذلك فإن عملية النهب والاستحواذ الاستعماري فاقمت من حدة الخلافات بين الدول الأوروبية الكبرى، إلا أن الخشية من دوامة الحروب على المسرح الأوروبي جعلت الدول الأوروبية تلجأ إلى سياسة توازن القوى عبر إبرام المعاهدات العسكرية، إلا أن نتائج تلك الاتفاقات جاءت عكسية، لأنها ساعدت على ازدياد العداوة بين الدول التي سارعت إلى عقد الاتفاقات الثانية مثل الاتفاق الإيطالي الفرنسي عام ۱۹۰۲ والاتفاق الفرنسي البريطاني عام 1904، والاتفاق الفرنسي الروسي عام ۱۹۰۷(11)، منشئة بذلك حالة من الاستقطاب بين الدول في مواجهة بعضها البعض.

————-

المصادر:

7-  د. مصطفى أحمد فؤاد، مصدر سبق ذكره، صفحة 5.

8- بروستر ك. ديني، نظرة شاملة على السياسة الخارجية الأمريكية، ترجمة د. ودودة عبدالرحمن بدران، الدار الدولية للنشر والتوزيع، مصر الجديدة، طبعة أولى 1991 مصدر سبق ذكره، صفحة50.

9- د. علي محمد شميش، العلوم السياسية، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الثانية 1982، صفحة 301.

10- د. عبدالرحيم الرفاعي، الاقتصاد السياسي، مصدر سبق ذكره، صفحة 399.

11- د. مصطفى أحمد فؤاد، مصدر سبق ذكره، صفحة 8.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى