توتر واحتجاجات.. تقييد العمل السياسي بكوت ديفوار قبل انتخابات الرئاسة

توتر في كوت ديفوار سببه قرار حظر أي نشاط سياسي جماهيري إلا للمرشحين في انتخابات الرئاسة المقررة الشهر الجاري.
واتخذت السلطات في كوت ديفوار إجراءات استثنائية لتقييد التظاهر والتجمعات السياسية قبل أيام من موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 25 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وأعلنت الحكومة، الجمعة، حظرًا شاملًا لمدة شهرين على جميع المظاهرات أو الاجتماعات العامة للأحزاب السياسية، باستثناء تلك التي ينظمها المرشحون الخمسة المعتمدون من قبل المجلس الدستوري لخوض الانتخابات المقبلة.
ووفقا لخبراء، تستهدف هذه الخطوة بشكل خاص تحالف المعارضة الرئيسي “الجبهة المشتركة”، الذي يضم “الحزب الديمقراطي” لكوت ديفوار، بزعامة تيجان تِيام، وحزب “الشعوب الإفريقية – كوت ديفوار”، بزعامة الرئيس الأسبق لوران غباغبو، واللذين رفض المجلس ترشحهما رسميًا في سبتمبر/أيلول الماضي.
وفي أعقاب هذا القرار، خرج مئات المتظاهرين في أبيدجان وعدة مدن أخرى للتعبير عن رفضهم لما وصفوه بـ”الاحتكار السياسي”، قبل أن تتدخل قوات الأمن لتفريقهم بالقنابل المسيلة للدموع، ما أدى إلى اعتقال نحو 700 شخص خلال أسبوع واحد، بحسب بيان النائب العام عمر برامان كوني.
ويرى مراقبون أن هذه التطورات تأتي وسط مناخ سياسي متشنج يسبق الانتخابات، التي يخوضها الرئيس الحالي الحسن واتارا سعيًا إلى ولاية رابعة منذ وصوله إلى السلطة عام 2011، في ظل انقسامات داخلية واسعة في صفوف المعارضة.
وكانت السلطات قد أصدرت مطلع أكتوبر قرارًا يقضي بمنع التظاهرات التي تشكك في قرارات المجلس الدستوري، قبل أن توسع نطاق المنع ليشمل أي نشاط سياسي جماهيري لا يتبع مباشرة المرشحين الرسميين.
وأعلنت وزارتا الداخلية والدفاع أن أي جهة تخالف القرار ستواجه ملاحقات قضائية، مبرّرتين الخطوة بأنها “ضرورية لحفظ النظام العام ومنع التحريض على العنف”.
توتر في الشارع
وأُعلن الخميس الماضي عن إدانة 26 متظاهرًا بالسجن ثلاث سنوات بتهم تتعلق بـ«الإخلال بالنظام العام»، بينما ينتظر محاكمة 105 آخرين هذا الأسبوع في أبيدجان، بحسب صحيفة ” لوموند” الفرنسية.
كما كشفت النيابة العامة أن التحقيق في هواتف المعتقلين أظهر دعوات إلى تخريب الممتلكات العامة والهجوم على المقار الأمنية، ووصفتها بأنها “أفعال ترقى إلى الإرهاب”.
وفي مدينة بونووا، أعلنت الشرطة مقتل رجل برصاصة أطلقها “مجهولون” في حين تحدثت المعارضة عن مقتل ثلاثة متظاهرين في أنحاء مختلفة من البلاد.
من جانبها، دعت منظمة العفو الدولية الحكومة إلى الكفّ عن “قمع الحق في التظاهر السلمي”، معتبرة أن اللجوء المفرط إلى القوة يشكل انتهاكًا لحرية التعبير.
ورد وزير العدل سانسان كامبيلي في بيان رسمي بأن “حق التظاهر يخضع لتقييدات قانونية في حال تهديد الأمن القومي أو النظام العام”، مضيفًا أن الاحتجاجات الأخيرة «اتخذت طابعًا تخريبيًا يتنافى مع القانون».
وقال الدكتور إدريسا كوني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيليكس هوفويه بوانييه في أبيدجان لـ”العين الإخبارية” إن تشديد القيود الأمنية قبيل الانتخابات يمثل مؤشراً على هشاشة الثقة بين المواطن والسلطة، مضيفاً أن “السلطة الحاكمة تراهن على الانضباط الأمني كضمانة للاستقرار، لكنها في المقابل تضعف المشاركة السياسية وتدفع الشباب نحو العزوف أو التطرّف السياسي”.
وأوضح كوني، وهو أحد أبرز المتخصصين في قضايا الحكم والانتقال الديمقراطي بغرب لأفريقيا، أن “المعادلة الصعبة أمام الحكومة تتمثل في الموازنة بين الأمن والحرية، وهي معادلة لم تنجح فيها معظم دول المنطقة منذ موجة الانقلابات الأخيرة”.
أما الدكتورة أغاثا أهو الباحثة في معهد الدراسات الأمنية الأفريقية في “داكار” والمتخصصة في قضايا المجتمع المدني، فرأت أن “حصر التظاهر في الأنشطة الرسمية للمرشحين الخمسة يُضعف المشهد الديمقراطي ويقوّض التعددية السياسية”، مشيرة إلى أن “الأصوات المعارضة يتم إقصاؤها بشكل غير مباشر عبر أدوات القانون، وهو ما قد يخلق شرخاً اجتماعياً بعد الانتخابات مهما كانت نتائجها”.
وأضافت أن “الانتخابات المقبلة ستكون اختباراً لقدرة كوت ديفوار على تجاوز ماضيها المضطرب، والانتقال من ثقافة الصراع إلى ثقافة التنافس السياسي السلمي”.
ما بعد التشديد
وبينما يستعد أكثر من ثمانية ملايين ناخب للإدلاء بأصواتهم، تبدو الأجواء السياسية أكثر انقسامًا من أي وقت مضى.
ويرى مراقبون أن الرهان الحقيقي لن يكون في صناديق الاقتراع، بل في قدرة الحكومة والمعارضة على تجنب انزلاق جديد نحو العنف السياسي، الذي طالما ألقى بظلاله على التجربة الديمقراطية في كوت ديفوار.