غزة …. وعار التجويع

إن أصوات الشجب تتعالى بشكل متزايد لكن بدون أي رد فعلي وقوي يردع الاحتلال الإسرائيلي عن سياساته الإبادية، والتجويعية، والتهجرية بحق أهل غزة كتب الروائي محمد شكري يقول: “كنت جائعاً ولم يكن لدي ما أخسره”.
إن شهر تموز (يوليو) كان أكثر الأشهر دموية في حرب غزة حيث أنّ اسرائيل قتلت اثنا عشر فلسطينا كل 12 دقيقة. وجلّ هؤلاء قتلوا حسب قول الأمم المتحدة قتلوا وهم يحاولون الحصول على رزم الطعام من مراكز التوزيع القليلة للمساعدات ووصل عددهم إلى ألف شهيد.
العار ثم العار أن نتحدث عن سياسة التجويع التي تنتهجها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في العصر الحديث؛ وللأسف هنالك تجارب حصار الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، وحصار روسيا لأوكرانيا وكذلك الأمر بالنسبة للأنظمة الاستبدادية وحصارها للمدن. لكن غزة لها خصوصية: شعب أعزل يعاني منذ سبعين عاماً الاحتلال وسياسات التجويع والتهجير والإبادة، شعب عاش تجربة الشتات، شعب عاش تجربة المخيمات واليوم يطلق عليه في سوريا اسم مقيم، (اجنبي).
العار ثم العار على عالم حر وديمقراطي يتفرج على شعب يموت جوعاً ويمنع منعاً باتاً دخول المساعدات المكدسة على معبر رفح من الجانب المصري، والصور الأكثر عاراً صور الآباء يشاهدون أطفالهم يذبلون أمام أعينهم، وينهار المسنون في الشارع، وهياكل عظمية لأطفال رضع أحياء أو موتى، وأخرى برزت عظامهم من تحت الجلد وعيونهم وأفواههم مفتوحة بنظرات جامدة.
لقد مات الطفل يوسف الصفدي الرضيع بسبب عدم توفر الحليب، وعدم قدرة أمه على ارضاعه. وكيف ننسى الصحفي الفلسطيني الذي باع كاميرته لشراء طحين لأولاده؛ وانهيار الصحفيين على الهواء مباشرة أمام هذه المشاهد المروعة للهياكل العظمية للرجال والأطفال والنساء.
العار ثم العار… إن الموت في غزة بطيء وممنهج. الموت في غزة يصنعه البشر لا تصنعه الطبيعة. رغم كل حالات الموت مازالت حالات التضامن الشعبية والفردية تظهر: مواطنة اسرائيلية أحرقت جواز سفرها تضامناً مع غزة، و متظاهرون يحملون أكياس الطحين في شوارع تل أبيب اعتراضاً على سياسة التجويع في قطاع غزة ، وهنالك سياح اسرائيليون لم يسمح لهم بالنزول من السفينة في ميناء جزيرة سيروس اليونانية حين تظاهر أكثر من 150 ألف شخص رافعين الأعلام الفلسطينية ولافته كتب عليها أوقفوا الإبادة الجماعية؛ ومواطن مصري يملأ زجاجات بلاستيكية بالطعام ويلقيها في البحر أملاً أن تصل إلى غزة؛ ولعلها وصلت مقالتي التي وضعتها في زجاجة (غزة رسالة في زجاجة)، وناشطون يطلقون حول العالم حملة “يقرعون أواني فارغة” تضامناً مع غزة.
قال ستيفن كوتريل الزعيم الفعلي لكنيسة إنكلترا: “إنها وصمة عار على ضمير المجتمع الدولي، إن حرب العدوان الاسرائيلية هي خطيئة جسيمة”.
والعار ثم العار… أن تعريف اتفاقات جنيف عام 1941 للإبادة هي أفعال جرمية مادية ونية القضاء على جماعة محدده وقطع دابرها.
إذاً هذا هو حال قطاع غزة، تجويع جماعي إبادة جماعية ، تهجير جماعي وصمت جماعي للمجتمع الدولي،
باسل عليا .. كاتب سوري













