هل يغني الاستماع عن القراءة؟ تحول ثقافي يعيد تعريف التجربة الأدبية
ترجمة : أوبينيا تايمز
يشهد عالمنا اليوم تحولاً ثقافياً بارزاً في كيفية تفاعلنا مع الأدب، مع تصاعد شعبية الكتب الصوتية وتراجع أعداد القرّاء النشطين. فهل يمكن القول إن الاستماع لكتاب يعادل قراءته؟ هذا السؤال، الذي لم يُبحث فيه بجدية إلا مؤخراً، يفتح الباب أمام فهم أعمق لتجربتنا مع الكلمات.
الفارق الجوهري: حوار النص وتدفق الصوت
تُظهر الدراسات الفلسفية والأدبية أن هناك اختلافات جوهرية بين الاستماع والقراءة، تتجلى بوضوح في بعدي الزمان والمكان.
- الصوت: يتقدم الصوت في الزمن بإيقاع لا نتحكم فيه، مما يحد من فرصة التأمل والتوقف عند نقطة معينة.
- النص: يتواجد النص أمام أعيننا في الفضاء، سواء على صفحة أو شاشة. هذا يتيح لنا فرصة الحوار الصامت مع الكلمات، حيث يمكننا التوقف والتفكير وإعادة القراءة، مما يخلق تجربة أكثر حميمية وعمقاً. يقول الفيلسوف بيتر سزيندي إن العلاقة بالنص في الصمت تصبح “غير محدودة”.
القراءة إبداع ذاتي، والاستماع تلقٍ مباشر
تؤكد الأبحاث أن القراءة تجربة ذاتية إبداعية؛ فالقارئ هو من يخلق الأصوات والشخصيات في ذهنه، جاعلاً العمل “أداءً فردياً” فريداً. على النقيض، في الكتب الصوتية، يتحكم القارئ الصوتي في الإيقاع والسرعة، مما يجعل التجربة أقرب إلى تلقي المعلومات بشكل مباشر، أشبه بمشاهدة فيلم.
استخدامات متنوعة وتجارب متعددة الحواس
لم تعد القراءة تقتصر على غرض واحد. فقد كشفت الكتب الصوتية عن تعدد أبعاد تجربة الأدب؛ فالبعض يستخدمها للترفيه، والبعض الآخر للتعمق المعرفي، وآخرون “لملء” الفراغ أو “لتحسين الرفاهية” وتخفيف التوتر.
يبرز أيضاً مفهوم “القراءة متعددة الحواس” مع الكتب الصوتية، حيث تختلط أحداث الكتاب مع البيئة المحيطة. فعند الاستماع أثناء المشي في الغابة، قد تتشابك أحداث القصة مع مشهد الأشجار وصوت الطريق. هذا النوع من الانغماس يعكس كيف تتداخل التجربة الأدبية مع واقعنا الحسي.
إن الجدل حول ما إذا كان الاستماع يُعد قراءة هو جزء من تاريخ طويل من التساؤل حول أشكال القراءة المتغيرة. يبقى السؤال مفتوحاً: هل الكتب الصوتية بديل مكافئ للقراءة التقليدية أم أنها تقدم بعداً جديداً يثري تجربتنا الثقافية بطرق مختلفة؟