ماكرون يتوجه في جولة إفريقية لتعزيز الشراكات الفرنسية
يزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بين 20 و24 نوفمبر أربع دول إفريقية في إطار جولة تشمل مشاركته في قمة مجموعة العشرين وقمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي.
ويعتزم ماكرون زيارة موريشيوس وجنوب أفريقيا والغابون وأنغولا.
وخلال زيارته موريشيوس يومي الخميس والجمعة تعزيز الشراكة مع الدولة المجاورة لإقليم لاريونيون الفرنسي الاستراتيجي في المحيط الهندي، حيث تعود آخر زيارة رسمية لرئيس دولة إلى عام 1993.
وستتيح هذه الزيارة متابعة مناورات مشتركة بين القوات المسلحة في المنطقة الجنوبية للمحيط الهندي (FAZSOI) وخفر السواحل في موريشيوس، في ظل تصاعد أنشطة التهريب البحري بما في ذلك المخدرات والصيد غير المشروع والهجرة، بحسب قصر الإليزيه.
وستكون أبرز محطات الجولة مشاركة ماكرون في قمة مجموعة العشرين السبت والأحد في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا، حيث من المقرر أن يلتقي نظيره سيريل رامافوزا. كما سيحضر احتفال إطلاق مجلس أعمال فرنسي-جنوب أفريقي، ويزور منتزه الحرية في بريتوريا، وهو نصب تذكاري لتكريم مناضلي الحرية وكفاحهم ضد الفصل العنصري.
وستكون زيارة الغابون الأحد والإثنين فرصة للرئيس الفرنسي للإشادة باستكمال المرحلة الانتقالية في هذا البلد الذي يقوده الجنرال برايس أوليغي نغيما، الذي نفذ انقلاباً عام 2023 وانتُخب لاحقاً رئيساً للبلاد. كما ستتيح الزيارة تعزيز الشراكات الثنائية والمصالح الفرنسية، لا سيما مع شركات مثل إيراميه وسويز، بحسب الإليزيه.
واختتاماً، يتوجه ماكرون إلى العاصمة الأنغولية لواندا للمشاركة في قمة مشتركة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، ضمن جهود باريس لإعادة تموضع دبلوماسي استراتيجي.
إعادة تشكيل الدور الفرنسي في أفريقيا
طالما سعت باريس لتعزيز وجودها في القارة الأفريقية حمايةً لمصالحها الاقتصادية، غير أن المتغيرات الداخلية والخارجية أدت إلى إعادة تشكيل هذا الدور، ودفعّت الإليزيه لتبني توجه غير تقليدي في استراتيجيته تجاه القارة، مع تعهّد الرئيس باتباع نهج جديد في شراكة فرنسا مع الدول الأفريقية، يعتمد على التعامل المعاملاتي بدلاً من الدور الأمني المباشر، وذلك عقب تراجع الاعتماد على فرنسا في الشراكات الأمنية لصالح روسيا والصين وتركيا وإيران.
وبين عامي 2017 و2025، قام ماكرون بحوالي 40 زيارة رسمية إلى أفريقيا، شملت 26 دولة، وهو رقم غير مسبوق لرئيس فرنسي.
وفي خطاب له في واغادوغو عام 2017، قال ماكرون أمام 800 طالب: “لم تعد لفرنسا سياسة أفريقية، أنا أنتمي إلى جيل لا يفرض على أفريقيا ما يجب أن تفعله”. وللمرة الأولى، اعترف بأن جرائم الاستعمار حقائق لا يمكن إنكارها. ورغم ذلك، أثارت تصريحاته مازحة في واغادوغو حول الرئيس البوركيني الذي “ذهب لإصلاح جهاز التكييف”، وأيضاً تعليقاته في مايوت 2017 عن قوارب “الكواسا-كواسا”، ما اعتبره مراقبون رموزاً لغطرسة فرنسا لدى الرأي العام الأفريقي.
ويقول الأستاذ الجامعي إيتيان فاباكا سيسوكو إن سخط الأفارقة تجاه فرنسا ليس وليد أخطاء ماكرون، بل ظاهرة بنيوية تغذيها الذاكرة الاستعمارية، التدخلات العسكرية المتكررة، عملة الفرنك CFA، وإدارة الأزمات في الساحل، إضافة إلى استغلال الدعاية المعادية لفرنسا من قبل أنظمة مختلفة. ومع ذلك، فقد لعبت بعض زلات ماكرون دور المسرّع في توتر العلاقة.
مسار المراجعة التاريخية والاعترافات
ورغم الهفوات، أطلق ماكرون مساراً للمراجعة التاريخية، إذ اعترف في سبتمبر 2018 بمسؤولية الجيش الفرنسي عن اغتيال المناضل الشيوعي موريس أودان خلال حرب الجزائر، وفي يوليو 2020 أعيدت جماجم مقاومين جزائريين إلى بلادهم. كما أوصى تقرير سافوي-سار 2018 بإعادة 90% من الأعمال الفنية الأفريقية الموجودة في المتاحف الفرنسية، وفي نوفمبر 2021 أعيد 26 عملاً ملكياً من أبومي إلى بنين.
وفي مايو 2021، اعترف ماكرون في كيغالي بالمسؤوليات الفرنسية تجاه الإبادة الجماعية عام 1994، مما ساهم في تطبيع العلاقات بين باريس وكيغالي.
لكن تنفيذ معظم الوعود تأخر، وتراكمت الأخطاء، كما ظهر في قمة أفريقيا–فرنسا بمونبلييه 2021 التي لم تُدعَ إليها أي رؤساء أفارقة، ما اعتُبر إهانة للعديد من العواصم، في حين لم تُثمر المبادرات سوى خطوات محدودة مثل تأسيس “مؤسسة الابتكار من أجل الديمقراطية” و”بيت العوالم الأفريقية”.
غلوبال غيتواي وفرص الاستثمار
من خلال الزيارة المرتقبة، تعتزم باريس وشركاؤها تقييم التقدم المحرز منذ إطلاق مبادرة غلوبال غيتواي عام 2021، والتي تتضمن استثمارات كبيرة في مشاريع البنية التحتية بأفريقيا بتمويل 150 مليار يورو، بهدف دعم تنمية البلدان الشريكة، خصوصاً عبر حشد جهود القطاع الخاص لتسريع الرقمنة والتحول في الطاقة والبيئة في الدول الناشئة والنامية.
الساحل والانكفاء الفرنسي
في 13 يناير 2020، استدعى ماكرون رؤساء دول الساحل الخمس مطالباً توضيحات حول مكافحة الإرهاب، وهو أسلوب اعتُبر توبيخاً أبوياً. وتدهورت الأوضاع الأمنية رغم تعزيز قوة برخان، وتتابعت الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ما دفع إلى الانسحاب الفرنسي التدريجي من المنطقة منذ 2022، ما أدى إلى تراجع النفوذ العسكري الفرنسي وملء فراغه من قبل روسيا وتركيا والصين والإمارات.
التركيز على أفريقيا الناطقة بالإنجليزية
منذ وصوله إلى السلطة، اتجه ماكرون نحو دول لم تستعمرها فرنسا لتعزيز علاقات خالية من الإرث الاستعماري والاستفادة من الفرص الاقتصادية في أفريقيا الناطقة بالإنجليزية والبرتغالية، شملت زيارات إلى غانا ونيجيريا وإثيوبيا وكينيا ورواندا وجنوب أفريقيا.
وتستورد فرنسا 12% من نفطها من أفريقيا، وخصوصاً من أنغولا ونيجيريا، التي أصبحت شريكها الاقتصادي الأول جنوب الصحراء، بينما يبقى المغرب الكبير الشريك الاقتصادي الأكبر لفرنسا في أفريقيا بنسبة 60% من المبادلات، إلى جانب علاقة متينة مع مصر تعتمد على صفقات السلاح.
إعادة تموضع دبلوماسي
ويرى الأستاذ إيتيان سيسوكو أن اختيار الدول الأربع في الجولة ليس اعتباطياً، بل يعكس إعادة تموضع استراتيجي للدبلوماسية الفرنسية، مع التركيز على مناطق ذات أولوية جيوستراتيجية واقتصادية بعيدة عن نقاط الصدام السياسي التقليدية مثل الساحل والمغرب العربي، وإظهار فرنسا كشريك في مجالات المناخ والأمن البحري واللوجستية، مع تأكيد قدرة باريس على اختيار نقاط ارتكاز وفق الفرص المتاحة وليس الإرث التاريخي.
المصدر: “أ ف ب”













