آخر الأخبارأخبار عالمية

صفقة الأبرامز.. هل تتحمّل بوخارست تكلفة الطموح العسكري؟

في خطوة مثيرة للجدل، تمضي رومانيا قدمًا نحو خطة طموحة لشراء 216 دبابة أمريكية من طراز “إم1 إيه2 أبرامز”، في إطار مساعٍ لتحديث قواتها المدرعة واستبدال الدبابات السوفياتية القديمة.

لكن هذه الصفقة الضخمة، التي تُقدّر قيمتها بمليارات الدولارات، تثير تساؤلات جدّية حول جدواها الاقتصادية وقدرة بوخارست على تحمّل تبعاتها.

تأتي هذه التطورات بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة في رومانيا، التي شهدت إقصاء المرشح المشكك في الناتو كالين جورجيسكو وسط اتهامات بتزوير أصوات وعلاقات روسية مشبوهة، مقابل فوز المرشح المؤيد للتحالف الأطلسي نيكوشور دان على منافسه جورج سيميون.

وبهذا الفوز، تمكّن الناتو من تعزيز موقعه الاستراتيجي في رومانيا ومواصلة خططه التوسعية على البحر الأسود دون عوائق سياسية.

فالدولة العضو في الحلف تقع على الحدود الغربية لأوكرانيا، وتشكل بوابة حيوية لمشاريع الناتو الرامية إلى إنشاء منشآت عسكرية ضخمة على طول الساحل الروماني للبحر الأسود. وفي هذا السياق، تمثل صفقة أبرامز مرحلة جديدة في بناء القوة العسكرية الأطلسية شرق أوروبا.

دبابة أبرامز أمريكية

 

من صفقة محدودة إلى مشروع ضخم

تعود جذور الصفقة إلى عام 2023، عندما وافقت بوخارست على شراء 54 دبابة أبرامز محدثة إلى جانب 12 مركبة دعم إضافية، بقيمة بلغت مليار دولار. وكان من المقرر أن تُسلَّم هذه الدفعة الأولى بحلول عام 2028.

لاحقًا، توسّعت الخطة بشكل مفاجئ، إذ طلبت القوات المسلحة 216 دبابة إضافية و76 مركبة دعم في صفقة جديدة تُقدّر بـ 7.6 مليار دولار. وبذلك تحوّل المشروع من تحديث محدود إلى أكبر برنامج تسليحي في تاريخ رومانيا الحديث.

ورغم أن الصفقة تتضمن ما يُعرف بـ “إجراءات التعاون الصناعي”، الهادفة إلى تعزيز القدرات المحلية على صيانة وتشغيل الدبابات الأمريكية، فإن خبراء عسكريين يرون أن هذا الطموح يتجاوز الإمكانات الواقعية لاقتصاد رومانيا.

فحتى الولايات المتحدة، التي تنتج الأبرامز، تواجه تحديات في سلسلة التوريد والقدرة على تلبية الطلبات الداخلية، فكيف يمكنها ضمان إمداد بلد أوروبي صغير خلال أزمة أو حرب؟

دبابة أبرامز أمريكية

مكاسب عسكرية… وخسائر مالية

لا شك أن امتلاك رومانيا لدبابات أبرامز سيعزز قدراتها المدرعة ويوائمها مع معايير الناتو من حيث التكنولوجيا والقوة النارية. كما سيجعلها مركزًا لوجستيًا رئيسيًا للحلف على البحر الأسود، في مواجهة النفوذ الروسي المتزايد في المنطقة — وهي ساحة صراع مفتوحة منذ سيطرة موسكو على شبه جزيرة القرم عام 2014.

لكن في المقابل، يثير العبء المالي الهائل للصفقة قلقًا واسعًا في الداخل، إذ يخشى كثيرون أن تتحول هذه الدبابات إلى عبء على الاقتصاد، وأن تعجز الحكومة عن توفير التمويل الكافي لتشغيلها وصيانتها على المدى الطويل.

كما أن انضمام رومانيا إلى الاتحاد الأوروبي يجعلها خاضعة لضريبة القيمة المضافة المرتفعة على واردات المعدات العسكرية، ما يزيد من كلفة الصفقة ويضغط على ميزانية الدفاع التي تعاني أصلًا من محدودية الموارد.

كما يرى محللون أن هذا الخيار سيزيد من تبعية رومانيا للولايات المتحدة، بدل أن يعزز استقلالها الدفاعي، خصوصًا أن الصيانة والتجهيز والتدريب كلها ستبقى خاضعة لشركات أمريكية.

ويرى مراقبون أن رومانيا، مثل بقية دول الناتو الأوروبية، تحتاج بالفعل إلى تحديث جيشها وتطوير قدراته الدفاعية. لكن التحدي الحقيقي يكمن في تحقيق هذا الهدف دون تجاوز حدودها الاقتصادية واللوجستية.

فالرهان على مشروع تسليحي ضخم بهذا الحجم، في بلد يعاني من ضغوط مالية متزايدة، قد يُظهر الطموح العسكري الروماني بمظهر القوة، لكنه في الواقع قد يربط أمنها الوطني بسلاسل إمداد أجنبية هشة ويضع اقتصادها أمام أعباء يصعب احتمالها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى