سوريا.. أحداث جرمانا وصحنايا بين الذريعة والحقيقة
سليم الزريعي
إن القراءة الموضوعية النزيهة لما جرى في مدينة جرمانا، ثم أشرفية صحنايا في سوريا، لا يمكن رده إلى الشريط المزعوم بالإساءة للنبي عليه الصلاة السلام، كسبب جوهري، لمن يريد الحقيقة وليس الذريعة، بعد أن أكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن، الذي طالما تبنى سردية القوى المعارضة للنظام السابق باعتباره جزءا من المعارضة وهي: “أن الشريط المسرب حول الإساءة للنبي “غير صحيح، ومن سربه أراد خلق فتنة بين أبناء الشعب السوري..”
وإذا ما واصلنا نحن طرح الأسئلة، بعد استحضار مجازر الساحل السوري، وحمص وغيرها، فإن السؤال عندها هو: هل احتاج المتشددون إلى مثل هذه الذريعة، عندما استباحوا تلك المناطق على أساس الهوية المذهبية، باعتبار أن أهلها كفارا، التي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء. ثم الادعاء أنها حالات فردية، أو أنها قوى منفلته، في حين أن تلك القوى هي جزء من منظومة الإدارة السورية الجديدة كما وثقتها بالصوت والصورة وكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي، وأن ما قامت به جرى بوعي ومع سبق الإصرار، كونه مكونا أصيلا من ثقافتها، ومن ثم سلوكها، وأن محاولة البعض، التغطية على ذلك باعتباره عملا فرديا، إنما هو تواطؤ ولو بالمعني الفكري.
وربما السؤال الموازي، هو مَن مِن الأطراف السورية، أو من غيرها، أراد أن يوفر الذريعة لتدخل الكيان الصهيوني في سوريا عبر صناعة مثل ذلك الشريط، وبثه عبر اتهام أصحاب مذهب معين بحد ذاته بذلك، بهدف استجلاب متعمد إلى رد فعل تلك القوى المتشددة، المهيأة لذلك أصلا، ارتباطا بموقفها المعادي لبعض مكونات المجتمع السوري المذهبية، الذي هو مكون أساسي من ثقافتها المجافية، وكونها تبحث عن ذريعة وليس عن الحقيقة، فهي غير مستعدة أن تسأل، أو تفكر في من هو الطرف المستفيد من مثل هذه الفتنةـ؟ لأنها في الأساس تبحث عن الذريعة، بصرف النظر عن صدقيتها من عدمه.
وهي الواقعة التي التقطها الكيان الصهيوني، وسوقها على أنها تستهدف مجموعة بشرية من الموحدين الدروز، الذي يحمل جزءا منهم جنسية الكيان بحكم واقع احتلال الجولان وفلسطين، وليس بسبب خيارهم الحر، وهو من باب الاستقواء، لن يسمح بذلك من موقع الادعاء الإنساني، وهي كلمة الحق التي يراد بها باطل، ومع ذلك لا يمكن من جانب آخر تجاهل، موقف بعض القوى السورية، التي لا تمانع من تدخل الكيان، وهي التي سبق أن أقامت علاقات معه، من موقع معارضة النظام السابق، خدمة لأجندات خاصة، في ظل انكشاف أكثر لطبيعة الإدارة الجديدة، على خلفية ما جرى من تصفيات على أساس مذهبي في معظم المناطق السورية من قبل قوى هي جزء من إدارة الشرع، بعضها غير سوري وهي قوى أيديولوجية متشددة كانت جزءا من تحالف جبهة النصرة التي كان يقودها أحمد الشرع”.
لكن السؤال الأهم: هل تدخل الكيان الصهيوني فيما يجري، هو بدوافع إنسانية وحرصا منه على حقوق الموحدين الدروز، وهو الذي ينتهك كرامتهم ويصادر حقوقهم في الجولان المحتل، غير أن الأكثر سخرية مرة هو: هل لأي عاقل أن يصدق أن الكيان الصهيوني يتدخل في سوريا لنصرة الدروز من موقع إنساني، وهو الذي ينفذ حرب إبادة ضد الفلسطينيين في غزة والضفة، مستخدما أحط الوسائل في التاريخ، وهو القتل بالتجويع، حتى أن جرائمه منظورة الآن، أمام محكمة العدل الدولية والجنايات الدولة.. كنظام مجرم.
هنا يبرز سؤال يتعلق بمدي صدقية بعض القوى، التي طالما عارضت نظام الأسد من موقع علماني، إنساني لقطع الطريق على ذريعة تدخل الكيان الصهيوني في الشأن السوري؟ الذي يستهدف منه تسعير التناقضات الداخلية السورية المذهبية والإثنية، من أجل دفعهم إلى الاحتراب الداخلي، كي يجد مبررا لتدخله المباشر، ربما عبر تزوير دعوته إلى ذلك على غرار شريط الإساءة، لحماية بعض المكونات المذهبية المستهدفة من قبل المتشددين، وهي الوصفة التي طالما دعا وعمل عليها الكيان الصهيوني، بهدف تفتيت سوريا، إلى كيانات طائفية لتكون معادلا عربيا مذهبيا لكيان اليهود.
وهل تقبل تلك القوى التي هي من كل المذاهب، حتى المستهدفة منها الآن من قبل المتشددين، بأن تكون شاهد زور، وأن تسمح بالانتقال من نظام اعتبرته طائفيا وفاسدا إلى دولة تحكمها القوى الظلامية من سورية وأجنبية، كي تقطع الطريق على الكيان الصهيوني وغيره ممن لا يريد لسوريا أن تكون موحدة ولكل أبنائها. وذلك عبر وضع حد لتغول تلك القوى الظلامية؟
لكن من جانب آخر، ربما قد يكون ما جرى من تغول للقوى المتشددة، كاشفا، ويضع علامة استفهام كبرى، حول صدقية انتماء الإدارة الجديدة إلى قيم الدولة المدنية المتحضرة، التي تتعامل مع كل أفراد الشعب بميزان العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بناء على دستور يحفظ حقوق الجميع مهما اختلفت مذاهبهم وإثنياتهم.
وقد يكون ما يجري بمثابة رسالة من دم أمام الدول العربية والعالم والمؤسسات الأممية، التي ساهمت واحتضنت تلك الجماعات نكاية في نظام الأسد، من أن البديل ربما يكون أسوأ وبما لا يقاس، لو بقي الحال كما هو عليه الآن، لأنه عندها لن يختلف فكريا عن “داهش” والقاعدة وغيرها من التنظيمات المتشددة. وأن الإدارة الجديدة مسؤولة عن ذلك أمام المجتمع الدولي.
وربما يكشف تساؤل مدير المرصد السوري لحق الإنسان من لندن أبعاد دور إدارة الشرع، عندما سأل: لماذا سُمح لهؤلاء المقاتلين بالهجوم على أشرفية صحنايا؟ هل بالفعل هم من فصائل غير منضبطة؟ فالشعارات التي صدرت عنهم بالصوت والصورة تُظهر أنهم بعضهم كان قادة في كتائب عسكرية سورية معارضة سابقاً، وأيضاً البعض الآخر معلوم من قبل أهالي المنطقة الذين حرصوا على القتال تحت فصائل الغوطة الغربية..
هل الرئيس “أحمد الشرع” قادر على ضبط كل هذه المجموعات؟، فيما يجب على وزير الداخلية القول: هذه التصرفات والتحريض ممنوعان.. ويجب أن يُحاكم من قام بذلك..
إن هذا التساؤل يشير بشكل ما إلى أن هناك تواطؤا من الإدارة الحالية، أو أنها عاجزة عن ضبط تلك المجموعات، وأنه لا يوحد جيش وأجهزة أمن تمثل الكل السوري، وأي حديث عكس ذلك هو تضليل متعمد، فيما المظهر العام هو هذا الهوس من بعض تلك القوى على نفي الآخر، من أصحاب المذاهب الدينية من غير السنة، كما جرى في الساحل السوري، ثم محاولة تكرار ذلك في جرمانا وأشرفية صحنايا.
ولا شك أن ما جرى قد شكل حرجا كبيرا للدول العربية المركزية والدول الأوروبية، التي احتضنت الشرع، أو أعلنت الانفتاح على الإدارة الجديدة في دمشق، ولذلك فهي معنية سياسيا وإنسانيا وأخلاقيا، على ضوء ما يجري، بإرسال رسالة واضحة إلى إدارة الشرع، وهو أن قبول إدارته في محيطها والمجتمع الدولي، هو رهن بمدى تنفيذها لمتطلبات هذا القبول فعلا وقولا، وإلا فإنها ستعيد النظر في موقفها منه.