حتى لا تكون غزة رفح أخرى.. الكرة في ملعب حماس
سليم الزريعي
يحاول الكيان الصهيوني أن يوهم العالم أنه اتخذ قرارا باحتلال قطاع غزة، في حين أنه وفق المفهوم العسكري يسيطر على القطاع ويحاصره تماما، وهو يتواجد عسكريا على مساحة 70% منه.
ويبدو ان العدو قد لجأ إلى مناورة الحسم العسكري، التي تحمل أقصى أشكال الضغط عبر الشروع في الاستعداد الجدي لتنفيذ عمل عسكري في غزة، وهي رسالة واضحة، أن ما ينتظر غزة سيكون أكثر بشاعة إذا ما سيطر على مدينة غزة والمنطقة الوسطى والمخيمات، في حال لم تستجيب حماس لشروطه في وقف إطلاق النار والإفراج عن المختطفين لديها.
وبهذا المعني فإن مسار التفاوض للوصول إلى حل، ومسار العملية العسكرية لتحقيق ما عجز عنه الحوار، هما مساران متوازيان، ونتنياهو يهدف من ذلك الضغط؛ على حماس من قبل الوسطاء للموافقة على شرط الكيان الصهيوني لإبرام صفقة وإنهاء العمليات العسكرية في القطاع، وهو في الوقت نفسه، يكون مستعدا للاستمرار في تنفيذ العملية في حال لم تنجح تلك الضغوط.
ولأن أي عملية ستكون ذات أبعاد كارثية على أهل غزة، تعمل القاهرة والدوحة مع واشنطن على صياغة اتفاق جديد، خطوطه العريضة صفقة شاملة – إطلاق سراح الجميع ووقف الحرب.
ذلك أن كل يوم يمر يسقط فيه المزيد من الضحايا من سكان غزة، فمثلا منذ فشل الوصول لاتفاق في مارس الماضي، بلغت حصيلة الضحايا، 10 ألاف و251 شهيداً و42 ألفاً و865 إصابة. فيما المحصلة الإجمالية للشهداء منذ بدء العدوان، قد ارتفعت إلى 61 ألفاً و776 شهيداً و154 ألفاً و906 إصابة. أما شهداء لقمة العيش فكانوا، ألفاً و881 شهيداً، وأكثر من 13 ألف و863 إصابة.
وحتى لا يعتقد البعض أنها مجرد مناورة، وليست خيارا جديا، لذلك صعد نتنياهو من الضغط ، ولتأكيد ذلك أعلن جيش الاحتلال أن رئيس الأركان إيال زامير، صادق على خطة احتلال مدينة غزة. ومن جانبه أكد زامير على “أهمية رفع جاهزية القوات والاستعداد لاستدعاء قوات الاحتياط، مع تنفيذ تدريبات إنعاشية ومنح فترة لتنفس الصعداء استعدادا للمهام القادمة”.
وقد حدد نتنياهو أهداف العملية العسكرية، بأن شدد على أن الصفقة الجزئية مع حركة حماس أصبحت من الماضي وأنهم الآن في مرحلة صفقة شاملة ولا عودة إلى الوراء. مبررا ذلك حسب قوله أننا “جربنا جميع الطرق وتبين لنا أنهم (حماس) كانوا يخدعوننا”. وقد ربط وقف إطلاق النار وإبرام الصفقة الشاملة وفق مبادئ خمسة وهي:
نزع سلاح حماس.
إعادة جميع المخطوفين الأحياء والقتلى على حد سواء.
نزع السلاح كله من قطاع غزة وليس فقط نزع سلاح حماس، بل التأكد من عدم تصنيع السلاح في القطاع وعدم تهريبه إليه.
السيطرة الأمنية الإسرائيلية على قطاع غزة، بما يشمل الحزام الأمني.
إدارة مدنية بديلة لا تتبع لحماس ولا للسلطة الفلسطينية، أي “أشخاص لا يربّون أبناءهم على الإرهاب، ولا يمولون الإرهاب، ولا يرسلون إرهابيين”.
وأضاف نتنياهو: “هذه المبادئ الخمسة ستضمن ما سماه أمن “إسرائيل” الذي يعني حسب قوله معنى كلمة النصر”.
ويبدو أن حماس قد أدركت ذلك، فقامت بجمع بعض القوى الفلسطينية في القاهرة للتأكيد على دور مصر في مساندة القضية الفلسطينية التي هي بمثابة اعتذار عن دعوة زعيم حماس في غزة خليل الحية بمحاصرة السفارات المصرية عندما حمل القاهرة مأساة الجوع في القطاع. وهي من جانب آخر للقول أن المسألة لا تتعلق بحماس ولكن بالعديد من الأطراف الفلسطينية، التي أعلنت من القاهرة تجاوبها الكامل مع مبادرات ومقترحات الحل بما يحقق المتطلبات الوطنية، بإنهاء العدوان وانسحاب قوات الاحتلال ورفع الحصار الظالم.
وفي سياق الرد على من يقول إن التهديد بعملية برية في غزة هي مناورة للضغط تشير المعطيات انها عملية جدية، فقد ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أنه بعد مرور أسبوع من موافقة الكابينت على خطة احتلال مدينة غزة، تلقّى الجيش الإسرائيلي أوامر بالاستعداد لاحتمال الدخول البري، وذلك ضمن الإبادة الجماعية التي يرتكبها في القطاع منذ 22 شهراً، لكنها استبعدت أن تدخل هذه الخطوة حيز التنفيذ قبل حلول سبتمبر المقبل.
وقالت الصحيفة إن قوات الاحتلال ستواصل خلال الفترة المتبقية إلى غاية ذلك الموعد، “عملها الروتيني المخطط له، مع احتمال إجراء تغييرات في جداول الجيش الأسبوعية في سياق التحضير للعملية البرية المتوقعة”.
وكانت الصحيفة قد ذكرت، أن جيش الاحتلال يعتزم استدعاء ما بين 80 ألفاً و100 ألف عسكري احتياط للمشاركة في عملية احتلال مدينة غزة.
ويكون نتنياهو بذلك قد ألقى الكرة في ملعب الوسطاء وحركة حماس ارتباطا بميزان القوي وليس لمشروعية ما يقوم به العدو، إذا ما أرادوا تجنيب غزة عمل عسكري، يعيد إنتاج ما جرى في رفح، وذلك انطلاقا من مسؤوليات الوسطاء الإنسانية والأخلاقية، وحماس من مسؤوليتها كونها هي من جلب رد الفعل الصهيوني، ولأنها كانت هي سلطة الأمر الواقع بعد الانقلاب الذي نفذته عام 2007، وسيطرت على القطاع، حيث لم يعد هناك من مجال للمماطلة أو التذاكي، كون الوقت من دم.