بعد انسحاب التيار والشعب… هل فقد الجملي حزامه السياسي في البرلمان التونسي؟

بعد نحو ثلاثة أسابيع من بداية مشاورات تشكيل الحكومة التونسية الجديدة بين مختلف الأطراف المعنية وغير المعنية والمنظمات الاقتصادية والنقابية والشخصيات الوطنية المستقلة، باتت التشكيلة التي ستؤسس الحكومة التونسية القادمة شبه واضحة.

يأتي ذلك في ظل إعلان كل من حزب “التيار الديمقراطي” و”حركة الشعب” انسحابهما من المشاورات، واصطفاف “قلب تونس” صاحب التمثيل الثالث في البرلمان (38 مقعدا) في صف المعارضة وإعلان حزب “تحيا تونس” أنه غير معني بتشكيل هذه الحكومة.

التغيرات الجديدة في موقف الأحزاب وخاصة منها الكتلة الديمقراطية، صاحبة التمثيل الثاني في البرلمان بعد حركة النهضة (يمثلها التيار والشعب بـ 54 مقعدا)، يرى مراقبون أنها قلبت أوراق رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي في تشكيل حزام سياسي يضمن نيل حكومته لثقة غالبية نواب البرلمان، هذا الحزام الذي لم يبق صامدا فيه سوى حركة النهضة وائتلاف الكرامة، وهو ما يجعل الساكن المؤقت لقصر الضيافة أمام فرضيات عدة، منها إعادة التوافق مع حزب قلب تونس ولو بشكل غير معلن.

انسحاب الكتلة الديمقراطية

على خطى حركة الشعب، شريكته في الكتلة الديمقراطية، أعلن حزب التيار الديمقراطي انسحابه رسميا من مشاورات تشكيل الحكومة قبل أسبوع واحد من نهاية الآجال القانونية المحددة للإعلان عن تركيبتها.

رئيس الحزب محمد عبو، خلال ندوة صحفية ، قال: “إن انسحاب التيار من المفاوضات جاء نتيجة لعدم استجابة رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي لمطالبه المتمثلة في تمكين حزبه من وزارات العدل والداخلية والإصلاح الإداري، وإصراره على تحييد وزارات السيادة”.

وأضاف عبو أن تمسكهم بهذه الحقائب الوزارية الثلاث ليس رغبة في الحكم وإنما الغرض منه تأسيس دولة قانون ومؤسسات قادرة على تغيير المناخ العام للبلاد وتطبيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي ينتظرها المواطن والمستثمر على حد السواء.

واعتبر رئيس التيار الديمقراطي أن عدم استجابة الجملي لمطالبهم هي تبرير غير معلن لاقتراب حركة النهضة من حزب قلب تونس رغم إعلان هذا الأخير تموقعه في المعارضة، مؤكدا أن رئيس الحكومة المكلف قد أعلمه سابقا بموافقته على حقيبة وزارة العدل قبل أن يتراجع عن قراره.

من جانبه أعلن الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي عدم مشاركة حزبه في هذه الحكومة “تجنبا لتكرار تجربة الفشل الذي ارتبط بكيفية تشكيل الحكومات السابقة والمحاصصات الحزبية وغياب البرامج والخيارات الوطنية”.

المغزاوي قال: “إن استمرار نفس الأسلوب القديم والمنهج المعتاد في تشكيل الحكومة وغياب الجدية المطلوبة والشروط الدنيا الضامنة للنجاح وتقديم منجزات للشعب الذي مل الانتظار ودفع فاتورة فشل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة في قوت أبنائه وحياتهم ومستقبلهم، سيؤدي حتما إلى ما آلت إليه الحكومات المتعاقبة منذ الثورة، مما يضع الكثير من الشك حول قدرة رئيس الحكومة المكلف وفريقه المرتقب على وضع حلول للتحديات الكبرى في كل المجالات”.

ونبه المغزاوي إلى عدم جدية رئيس الحكومة في التعاطي إيجابيا مع المقترحات المقدمة وإصراره على إعادة إنتاج الفشل، الأمر الذي يبرر رفض الحركة “المشاركة في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وارتهان القرار الوطني للمحاور والدوائر الأجنبية”.

توسيع دائرة المعارضة

انسحاب التيار الديمقراطي وحركة الشعب من مفاوضات تشكيل الحكومة، يرى المحلل السياسي علية العلاني أنه كان متوقعا، نظرًا لعدم استجابة رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي لشروط التيار والشعب، اللذان أصبحا مندمجين في كتلة برلمانية واحدة هي الثانية في البرلمان.

ويرى العلاني في حديثه لوكالة “سبوتنيك”، أن هذا الانسحاب سيجعل المعارضة لأول مرة في برلمان ما بعد 2011 معارضة قوية، وربما تكون قادرة على إسقاط الحكومة في صورة تبنيها لقرارات مناهضة للتوجهات الكبرى مستقبلا. وهو ما سيفضي وفقا للعلاني إلى مشهد برلماني فسيفسائي يجمع المعارضة الليبرالية الوسطية والمعارضة اليسارية، والمعارضة الليبرالية فقط.

ويضيف العلاني أن المستفيد الأكبر من هذه الوضعية هو حزب قلب تونس، حيث سيقترح أسماء على رئيس الحكومة المكلف ضمن تشكيلة الحكومة القادمة تكون قريبة من الحزب وغير منتمية له.

حزام سياسي ضعيف

انسحاب الكتلة الديمقراطية من تشكيل الحكومة الجديدة، يعتبر العلاني أنه لا يعيق حصولها على ثقة غالبية أعضاء مجلس نواب الشعب، في ظل وجود أصوات من المعارضة ومن المستقلين سيُقدمون حتما على التصويت لصالحها لأسباب تختلف وفقا لغايات أصحابها، إحداها ألا يظهر بعضهم في مظهر المعطل لعمل الحكومة وللمصلحة الوطنية على أن يراقب أداءها بعد ذلك وربما حتى يسقطها لاحقا إذا ما خرجت عن التوجهات الكبرى. فيما سيخيّر آخرون التصويت لها ربما خوفا من إعادة انتخابات قد لا يكونون طرفا فيها.

في المقابل يرى محدثنا أن هذه الانسحابات ستؤدي حتما إلى إضعاف الحزام السياسي للحكومة الجديدة وتقليص دائرة الدعم المقدم لها خاصة على مستوى البرلمان وهو ما سيعيق تطبيق الإصلاحات الكبرى اقتصاديا.

ويضيف العلاني “إذا ما بلغت الأوضاع مستقبلا انسدادا أكبر، فربما يتم اللجوء لانتخابات سابقة لأوانها أو إقالة الحكومة المرتقبة وتشكيل حكومة جديدة تستجيب أكثر لمطلب المعارضة، خاصة فيما يتعلق بمحاربة الفساد وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الكبرى”.

الجملي يعد باحترام الآجال القانونية

في الجانب الآخر من الصورة، يفند رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي تعرضه لأي ضغوطات من قبل بعض الأحزاب السياسية – والمقصود هنا حركة النهضة – من أجل توجيهه لاختيار أطراف بعينها على رأس بعض الحقائب الوزارية، مشيرا إلى أن عملية اختيار الفريق الحكومي تستند إلى معيار الكفاءة والقدرة على إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية خاصة.

وأكد الجملي أنه باشر عملية فحص سير المترشحين لنيل مناصب وزارية وأنه لم يتلق بعد ترشيحات بعض الأحزاب المشاركة في الحكومة.

وفيما يتعلق بانسحاب التيار والشعب، قال الجملي إن هذا القرار لن يؤثر على مسار تشكيل الحكومة، وأنه سيحترم الآجال القانونية المحددة لتقديم تشكيلة الحكومة وعرضها على البرلمان دون الحاجة إلى تمديد المشاورات شهرا آخر.

كما جدد رئيس الحكومة المكلف تأكيده على تحييد وزارات السيادة وإعطاء حيز أكبر للفريق النسائي والمستقلين لتولي حقائب وزارية.

المنظمة الشغيلة على خط الحياد

الاتحاد العام التونسي للشغل خير هذه المرة الوقوف على الربوة ومتابعة مسار تشكيل الحكومة عن بعد إذ اكتفى الأمين العام للمنظمة الشغيلة نور الدين الطبوبي خلال لقائه برئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي بالتأكيد على أهمية التسريع في تشكيل الحكومة، وأن تستجيب برامجها لتطلعات الشعب التونسي وفي مقدمتها معالجة مشكل البطالة التي تجاوزت نسبتها 15.3% في العام الحالي، وتحسين الوضع الصحي في الجهات الداخلية والمحرومة خاصة بعد حادثة انقلاب الحافلة السياحية بعمدون من محافظة باجة التي كشفت عن هشاشة الوضع الصحي في الشمال الغربي ونقص التجهيزات الطبية وأطباء الاختصاص في المستشفيات الجهوية.

ودعا الطبوبي إلى أن تكون الحكومة القادمة متجانسة وأن تخضع أطرافها إلى إملاءات المصلحة الوطنية وليس إلى توجهات الأحزاب والحسابات السياسية الضيقة، منبها إلى أهمية الاتعاظ من التجارب السابقة، وتجنيب البلاد سيناريوهات الاحتقان الاجتماعي الذي عرفته البلاد في السنوات السابقة نتيجة اعتماد الحكومة لسياسات تنموية ضعيفة لا ترضي تطلعات التونسيين ولا تلبي احتياجات الفئات الهشة.

بالتزامن مع ذلك تتواصل لقاءات رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي التي أقفلت أسبوعها الثالث مع عدد من الشخصيات السياسية والوطنية من أجل الخروج بالخارطة السياسية الجديدة لحكومته، قبل انتهاء الآجال الدستورية المخصصة لذلك والمقررة في منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى