آخر الأخبارتحليلات و آراء

الوعي النقدي يحرر الإنسان

سليم الزريعي

جراء تعقيد حياتنا في هذا العصر، وانفتاح الكل على الكل، في ظل ثورة المعلومات والاتصالات، يبرز مفهوم الوعي، الذي قد يقذف  به البعض في وجه البعض الآخر، انتقاصا من قدراته على التفكير وأخذ المواقف  التي يرونها صائبة، أو بإشادة البعض  ببعض من يوافقونهم الرأي في موضوع معين بذاته كدليل على وعيهم, حتى باتت مفردة الوعي لدى البعض كقنطرة للتدليل على  مستوى قدرته العقلية المميزة في تناول والإحاطة بأمور الحياة في مختلف جوانبها، فجري اختزالها في قدرة شخص ما على التصرف بـ”شطارة”، حتى لو كان لا يعرف ماذا يعني مفهوم الوعي؟ وهل هناك أكثر من شكل من أشكال الوعي؟ وأن هناك وعيا  دوغمائيا ووعيا إبداعيا، وشتان ما بين الاثنين. وأيضا وعيا فرديا وآخر جماعي، ومجالات مختلفة للوعي.

وعلى ضوء ذلك يصبح من المهم ابتداء ونحن نحاول أن نكتشف ماهية الوعي، أن نقترب أكثر من هذا المفهوم، من أجل تفكيكه معرفيا، كمدخل للفهم والإحاطة بهذا المفهوم الذي يقذف به بعض المتلعثمين البعض الآخر مدحا أو قدحا، أو فئة المتثاقفين غيرهم، وهنا يمكن البدء بمقاربة هذا المفهوم لغة ومصطلحا.

معنى الوعي :

تعني مفردة “الوعي” في قواميس اللغة العربية: وَعَيْتُ العِلْمَ أعِيهِ وَعيًا، ووعَى الشيء والحديث يَعِيه: حَفِظَه وفَهِمَه وقَبِلَه، فهو واعٍ. وفلان أَوْعَى من فلان أَي أَحْفَظُ وأَفْهَمُ.

لكن لمعنى الوعي، خارج قاموس اللغة، دلالات عديدة،  وتتجلى أهم معانيه من خلال علم النفس وعلم الاجتماع. ففي علم النفس، يشير مصطلح “الوعي” أولًا إلى حالة اليقظة العادية، ويشير ثانيًا إلى قدرة الإنسان المتميزة الخاصة على الشعور بذاته، وتمايز ذاته عن الآخرين وعن الأشياء والكائنات الأخرى.(1)

في حين ان علم الاجتماع، قارب الأمر بالتركيز على أن الوعي كنتاج لتطور فسيولوجي لمخ الإنسان، ولقدرة الإنسان على العمل وابتكار اللغة، وأن الوعي بهذا الشكل يصبح النتاج المباشر لتفاعل المعرفة المكتسبة فرديًّا أو اجتماعيًّا مع المخ. وضمن هذه المقاربة يصبح اللا وعي جزءًا من الوعي، ويتبادلان في الوقت نفسه التأثير والتأثر.(2) وبهذا المعنى يعتبر الوعي الحالة العقليّة التي يُدرك الشخص من خلالها الواقع والحقائق الّتي تجري حوله، وذلك عن طريق اتّصاله مع المحيط الّذي يعيش فيه، واحتكاكه به ممّا يسهم في خلق حالة من الوعي لديه بكلّ الأمور التي تجري وتحدث من حوله، ممّا يجعله أكثر قدرة على إجراء المقاربات والمقارنات من منظوره هو، تجعله أكثر قدرةً على اتّخاذ القرارات التي تخص المجالات والقضايا المختلفة التي تطرأ له.(3)

في حين يذهب المفكر أنطونيو غرامشي إلى القول إن جدل الظروف المادية والخبرات الاجتماعية والثقافية. هو الذي يشكل الوعي، ذلك أن الوعي لديه ليس مجرد انعكاس للواقع المادي، بل هو نتاج لذلك الجدل أو التفاعل المعقد، وهو يعتبر أن الوعي يتشكل من خلال “المنطق السائد” أو “الهيمنة الثقافية” التي تفرضها الطبقة الحاكمة على المجتمع.(4) . وهذا يشير إلى أن هناك وعي إيجابي وآخر سلبي.

والوعي أيضًا هو المحصول الفكري الذي ينضوي عليه عقل الإنسان، بالإضافة إلى وجهات النظر المختلفة التي يحتوي عليها هذا العقل وتتعلّق بالمفاهيم المختلفة التي تتمحور حول القضايا الحياتيّة والمعيشيّة. والوعي قد يكون وعيًا حقيقيًا بطبيعة القضايا المختلفة المطروحة حول الإنسان، إلّا أنّه قد يكون وعيًا مُضللًا زائفًا، فالوعي الزائف هو الذي لم يدرك الأمور على حقيقتها التي تجري عليها، مما سيجعل حكمه على مختلف القضايا والأمور التي تجري من حوله حكمًا خاطئًا لم يستطع مقاربة عين الصواب بأيّ شكلٍ من الأشكال.(5)

وهناك من يرى أن “الوعي هو حالة من الإدراك الذي يجمع بين تفعيل دور العقل والمشاعر لفهم ما يدور حول الإنسان، ولتنظيم علاقته بالموجودات المحيطة به، ولا يكتمل الوعي إلا إذا عمل الإنسان على تنميتها بشكل مستمر من خلال تطوير قدراته الفكرية ومن خلال ربط تلك القدرات بتجاربه الحسية التي تشكل خبرته في الحياة.”(6)

معنى الإدراك

إن ربط الوعي بالإدراك هو أمر موضوعي جدا، غير أن هذا  الربط بين عملية الوعي والإدراك تستحضر سؤالا يتعلق بمعنى “الإدراك”، الذي تكيفه مصادر الذكاء الاصطناعي، بأنه: عملية عقلية يقوم بها الفرد لفهم العالم من حوله، وذلك من خلال استقبال وتنظيم وتفسير المعلومات الحسية التي تأتي عبر الحواس. وهو  يشمل كل من العمليات الواعية وغير الواعية التي تمكننا من فهم الواقع المحيط بنا.

وبمعنى آخر، فإن الإدراك هو: استقبال المعلومات الحسية: أي تلقي المعلومات من خلال الحواس (البصر، السمع، اللمس، الشم، التذوق). ثم تنظيم المعلومات: عبر ترتيب وتنظيم هذه المعلومات الحسية في أنماط ذات معنى. بتفسير المعلومات: بإعطاء معنى لهذه المعلومات بناءً على التجارب السابقة والمعرفة.

ولما كان الوعي يشمل إدراك العمليات الواعية وغير الواعية التي تمكننا من فهم العالم من حولنا.  فإنه يمكن القول بشكل عام:  إن الإدراك هو عملية حيوية تساعدنا على التفاعل مع بيئتنا واتخاذ القرارات بناءً على فهمنا للعالم. (7)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى