المثقف.. النقد دور وليس خيارا

سليم الزريعي
أن تكون مثقفا، هو أن تمتلك الشجاعة الفكرية أن تكون مختلفا، وأن تتحمل عبء وتبعات هذا الخيار، كونك مثقفا صاحب رسالة مجتمعية تبشر بها، انطلاقا من موقع النزاهة الفكرية والسياسية والأخلاقية، ومهما كانت قيمتها، ولأنها كذلك، فإن تلك المواقف الذي يأخذها المثقف، لا تأخذ بعين الاعتبار عند أخذها والتعبير عنها، إرضاء أي مكون سياسي أو أيديولوجي أو مجتمعي، لأن دور المثقف، هو ألا يمارس تبرير سياسات أو تصرفات أي كيان معنوي، سواء كان سلطة، أو حزبا، أو جماعة، يرى أنها مجافية، أو أن يكون شاهد زور، من موقعه كصاحب وجهة نظر، لأنه في الأساس ناقد، وليس حارق بخور، كونه يعتبر نفسه أحد ضمائر شعبه، وليس بوقا بأي حال من الأحوال، لأي سلطة صغيرة كانت؛ أم كبيرة، حتى لو اتفق معها هنا أو هناك.
ومن ثم ليس دور المثقف “هو أن يبحث عن إرضاء الآخرين؛ وإنما هو أن يكون نزيها”، لأن دور المثقف، فيما نعتقد، هو في مدى الصدق والنزاهة في طرح الأفكار والمعلومات، حتى لو لم تكن هذه الأفكار والأطروحات ترضي الجميع، لان إرضاء الجميع هو كذب ونفاق، كون المثقف يحمل رسالة، وارتباطا بدوره كضمير، وفي الوقت نفسه محرض لجماهير شعبه، كي تعي تلك الجماهير واقعها، في مواجهة غياب الحقيقة، أو بؤس السياسات والمواقف، وربما التضليل المتعمد، حتى تغادر مربع دور القطيع المفعول به، إلى دور الشعب الحي الفاعل، من خلال وعي ذاتها، ووعي ما حولها، وجدل شرط اللحظة في بعديه الذاتي والموضوعي، وعلاقاته الخارجية، وهو وعي إيجابي يجب أن ينتجه عقل مفكر، يدرك أهمية ودور السؤال في امتلاك الوعي الإيجابي والمعرفة.
والسؤال هنا هو: هل يمكن فعل ذلك دون وجود كتيبة من المثقفين؟ أنا أشك في ذلك، ولذلك يحضر السؤال الأساس من هو المثقف، وما هو دوره؟ المثقف هنا هو “الشخص الذي يمارس التفكير النقدي والبحث والتأمل حول طبيعة الواقع، وخاصة طبيعة المجتمع والحلول المقترحة لمشاكله المعيارية”. فيما يقول المفكر إدوارد سعيد “أعتقد أن الحقيقة الأساسية هنا هي أن المثقف فرد يتمتع بموهبة خاصة تمكنه من حمل رسالة ما، أو رأي ما، وتجسيد ذلك والإفصاح عنه إلى مجتمع ما، وتمثيل ذلك باسم هذا المجتمع”.، فيما يقول آخرون إن الشخص لا يكون مثقفا حتى “يمتلك القدرة على نقد وإنتاج الأفكار”. وبحسب تعبير المفكر الفرنسي جيرار ليكلرك “المثقفون هم هؤلاء الذين ينتجون آثاراً، الذين يبدعون، الذين يجددون في المجال: الثقافي، الجمالي، الإيديولوجي، الخ..”.
في حين أن المثقف العضوي لدى المفكر أنطونيو غرامشي” هو الشخص “المنتمي إلى مجتمعه والمتفاعل مع قضاياه، الذي يقوم بدور تنويري في المجتمع، ويكون صاحب مشروع ورؤية في الإصلاح والتطوير”. ومن ثم فإن المثقف انطلاقا من وعيه بدوره كضمير لشعبه، الذي هو تجلي لمسؤوليته الاجتماعية، وانحيازه لوطنه، وأنه من موقع النزاهة الفكرية والسياسية والأخلاقية، يمارس النقد البناء بهدف المساهمة في إحداث تغيير إيجابي في المجتمع، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.
وفي تقديري فإن الشجاعة الأدبية والحال هذه، هي أحد الصفات الملازمة للمثقف، عندما يطرح أفكاره وموافقه، حتى لو كانت مخالفة للآراء السائدة، أو تواجه معارضة، سيما إذا كانت هناك قوى تعتبر أنها هي ومواقفها متعالية وفوق النقد، ولأن المثقف هو ضمير وطنه وقاطرته الفكرية، فهو ليس محايدا، لكنه في الوقت نفسه حر، تجاه أي ترهيب، أو إكراه مادي أو معنوي، كونه ليس تابعا.
وهذا لا يعني أن المثقف يقف موقف المعارض لكل شيء، وإنما قد يكون لديه موقفًا ورؤية خاصة به تجاهها. فقد يكون هذا الموقف مؤيدًا أو معارضًا أو مزيجًا من الاثنين، ولكنه ليس موقفًا خاليًا من التفكير والمشاركة.
وأخيرا يمكن القول إن المثقف، في مفهومه العام، هو فرد يتميز بمعرفته العميقة وتفكيره النقدي، ويستخدم هذه المعرفة في تحليل وتقييم الظواهر المختلفة في المجتمع، سواء كانت ثقافية، اجتماعية، سياسية، أو فكرية بنزاهة. ولذلك فإن النقد، بالنسبة للمثقف كسلاح فكري ثقافي، هو في كونه أداة للتنوير والتغيير، وليس لمجرد إبداء الملاحظات السلبية.
لكنه بالنسبة لبعض من قد يكونون محلا للنقد، هو تجاوز، وربما هو في بعض الأحيان أسوأ من ذلك، بأن يصنف هذا المثقف كعدو، كونه تجرأ على نقد هذه الذات التي يعتبرها أصحابها متعالية في ذاتها، وفي مواقفها وأفعالها, وقد يتعرض المثقف الناقد هنا، للإرهاب الفكري، وربما ما هو أكثر من ذلك، وهو تحدي فكري يواجه المثقف الذي يجب أن يواصل رسالته مهما كانت المصاعب والمخاطر.. اذا ما اعتبرنا أن المثقف لديه كلمة حق كونه ضمير شعبه، يجب أن تقال, وفي كل الظروف، لأن النقد لدى المثقف، هو دور أصيل وليس خيارا..
هوامش..
ويكيبيديا، شبكة المعلومات الدولية.
الذكاء الاصطناعي. شبكة المعلومات الدولية.