آخر الأخبارتحليلات و آراء

المتغير السوري الدراماتيكي.. الرابحون والخاسرون

سليم الزريعي

عندما تغطي صحيفة الأخبار اللبنانية القريبة من حزب الله، في أحد تقاريرها حول سقوط نظام الأسد رد فعل اللبنانيين، بهذا العنوان بالغ الدلالة “تسونامي المحتفلين يجتاح المناطق اللبنانية”، فهذا يعني أن هناك مؤشر على أن التغيير الذي جرى في سوريا، يتعدي الجغرافيا السورية إلى الفضاء الإقليمي، لا سيما لبنان، التي كانت دمشق بخياراتها السياسية والعملية عاملا مقررا في الربط بين طهران والضاحية الجنوبية من بيروت معقل حزب الله. وهي رسالة موجهة لحزب الله اللبناني ولطهران، حيث يخيم مفهوم الخسارة الاستراتيجية على كليهما.

وهي  استراتيجية، كون العلاقة بين الحزب وطهران تتجاوز مفهوم التحالف، إلى العلاقة الأيديولوجية الروحية، إضافة للجوانب الأخرى، ومن ثم فإن، فقد حلقة الوصل السورية التي هي جزء من ما يسمى محور المقاومة، الذي كشفت الوقائع الأخيرة، من انهيار للنظام  في دمشق،  أنه لم يكن سوى حالة ذهنية لدى البعض تفتقد إلى المعطي الصلب القادر على مواجهة كل التحديات، ولذلك فإن فقد طهران والضاحية الجنوبية من بيروت لدور سوريا اللوجستي المقرر بينهما، هو خسارة مزدوجة لحزب الله من جانب، وإيران من جانب آخر.

وقد كثف وزير الخارجية الإيراني حساب الربح والخسارة لدي الأطراف الإقليمية الفاعلة في المسألة السورية والصراع مع الكيان الصهيوني، ومنها إيران عقب نجاح المعارضة السورية بأطيافها المختلفة الظلامية والعلمانية برعاية تركية من طي صفحة حكم آل الأسد، ذلك عندما اعترف “أن المسار الاستراتيجي بين إيران وحزب الله قد يتأثر بما يجري في سوريا”، وهو اعتراف له انعكاساته الجيوسياسية على طهران، التي كانت تعتبر أن لديها حلفاء ضمن ما يسمى محور المقاومة، كانت توظفه؛ ولو معنويا وإعلاميا في سياق، مواجهتها مع الولايات المتحدة على خلفية مزاعم برنامجها النووي غير السلمي،  وورقة بيدها في علاقاتها مع دول الإقليم.

ولذلك كان أول المحتفين بخسارة طهران هو الكيان الصهيوني، عندما صرح بنيامين نتنياهو خلال زيارته للجولان السوري المحتل، قائلا: “هذا يوم تاريخي في الشرق الأوسط. نظام الأسد، الذي أعتبر أنه كان، يمثل حلقة محورية في محور الشر الإيراني، قد سقط. هذا نتيجة مباشرة لضرباتنا على إيران وحزب الله، الداعمين الرئيسيين له، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في المنطقة وفرص جديدة لإسرائيل.”

وفي تأكيد ما يعتبره نتنياهو حدث تاريخي ومتغير لصالح مشروع الكيان الصهيوني، قال إن اتفاقية فصل القوات لعام 1974 بين الكيان وسوريا قد انهار، بعد تخلي الجنود السوريين عن مواقعهم، معلنًا أنه أصدر تعليماته للجيش الإسرائيلي بالسيطرة على المنطقة العازلة ومواقع القيادة المحاذية لها. وأكد: “لن نسمح لأي قوة معادية بالاستقرار على حدودنا. سنواصل العمل لحماية حدودنا وأمن مستوطناتنا.”

ولتأكيد ما يعتبره كيان الاحتلال مكسبا تاريخيا، صادق الكابينيت السياسي – الأمني الإسرائيلي (مجلس الوزراء المصغر) بالإجماع على احتلال جبل الشيخ السوري في الجولان المحرر وإنشاء منطقة عازلة.   ويأتي ذلك في وقت قصفت فيه الطائرات الإسرائيلية مركز البحوث العلمية بدمشق حيث تدار برامج أسلحة كيميائية وصواريخ باليستية.

وبالتناغم بين من يسمون فريق الرابحين أكد نائب وزير الدفاع الأمريكي دانييل شابيرو، أن الولايات المتحدة ستبقي على وجودها العسكري شرقي سوريا، ومن جانبه اعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن أن هذه لحظة تاريخية وفرصة للشعب السوري لبناء السلام في بلده. وأكد أنه سيدعم جيران سوريا بمن فيهم الأردن والعراق وإسرائيل ولبنان، مضيفا: نريد أن نطمئن أن جيران سوريا في مأمن من أي توتر جراء التغييرات هناك”،

وهذا التوجه الأمريكي يأتي في سياق جني مكاسب سقوط النظام ، التي أرى أنها ربح أمريكي صهيوني صاف، بعيدا عن علاقة ذلك بما تريده سوريا الجديدة والشعب السوري، ارتباطا بأن من رعى العديد من القوى السورية، هي تركيا عضو حلف الناتو من جانب، وفي كونها من جانب آخر دولة إسلامية تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني، سيما وأن هناك مؤشرات من قبل بعض قوى المعارضة السورية،  بأنها مع إقامة علاقات مع الكيان، لتضيف خاسرا آخر، وهو القضية الفلسطينية ممثلة في بعض الفصائل التي كانت تأخذ من دمشق مقرا لها،  ومجالا لنشاطها السياسي والإعلامي والثقافي،  في مواجهة المشروع الصهيوني. على خلفية أن دمشق كانت حاضنة كل القوى الفلسطينية التي ترفض التطبيع مع الكيان، والاعتراف باحتلاله أرضها.

ومع ذلك من الصعب توقع موقفا سياسيا أيديولوجيا من النظام في سوريا الجديدة راهنا،  رغم وجود إعلان من بعض القوى بتبني موقفا غير معاد للكيان، وهو الذي يحتل الجولان، وفي ظل رفض أهله لقرار  دمجهم في بنيته ، في حين أن هناك قوى وازنة،  لا ترى هذا الرأي ولها موقف مغاير تماما، وقد عبرت عن ذلك افتتاحية العدد 1204: من جريدة قاسيون لسان حال حزب الإرادة الشعبية (منصة موسكو)، وهو أن “نقطةُ علامٍ أخرى أساسية، هي الموقف الثابت المتجذر للشعب السوري من القضية الفلسطينية بوصفها قضيته، وموقفه الحاسم تجاه الجولان السوري المحتل، أرضاً سورية يجب استرجاعها بكل السبل”. ومع ذلك فإن القول الفصل لن يكون قبل انتهاء المرحلة الانتقالية وصياغة دستور جديد وهيئة حكم مستقرة، تكشف عن موقفها من تحرير الجولان، ومن القضية الفلسطينية.

وأخيرا يمكن القول إنه ، إذا ما كان هناك من رابحين وخاسرين آخرين،  فيمكن هنا اعتبار موسكو أحد أكبر الخاسرين،  الذي قد يتأثر وجودها في سوريا بما تقرره سوريا الجديدة بالنسبة لقواعدها العسكرية، وهي خسارة من الصعب تعويضها، لما لها من آثار جيوسياسية، لكن يبقى الرابح الأول هو أهل سوريا، إذا لم  يجري اختطافهم من قبل قوى محلية، أو إقليمية، أو من قوى الشر الإمبريالي واللبرالية المتوحشة، بعيدا عن سوريا التعدد الإثني والمذهبي، والتسامح والحضارة..

ولأن الشام لها حضورها الغني في الوجدان العربي، نأمل أن تنتصر إرادة الخير والحياة ، على نوايا قوى الشر الصهيوني الإمبريالي، أو الإقليمي ممن لا يريدون الخير لسوريا وأهلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى