أطفال غزة يحاكمون العالم

إن حرب الإبادة التي تدور رحاها في غزة لم تعد حرباً تقليدية، بل تجاوزتها وتحولت إلى حرب على القيم الإنسانية، وانتهاك للمواثيق الدولية وخصوصاً بحق الأطفال من خدج ورضع. وقد أكدّ العدو الاسرائيليّ أن الحروب تشكل أعلى درجات القذارة ، وذلك من خلال سياسة التجويع والنزوح القسري، والعنف الوحشي ضد الأطفال. وهذا ما قاله الرئيس البرازيلي “لويس إيناسو لولا داسيلفا” : (ما يحدث في غزة ليس حرباً بل إبادة تمارسها اسرائيل بحق الأطفال).
إنّ الملفت للانتباه تجمّع عدد كبير من المتظاهرين في لندن، وكل متظاهر نطق باسم طفل شهيد فبلغ عددهم خمسة عشر ألف طفل، أما الحال داخل قطاع غزة فكان مأساوياً للغاية: أطفال يبكون أهلهم بعد فقدانهم أمام أعينهم. أو أهل يغامرون لإحضار المساعدات (مصائد الموت) المجبولة بالدماء، حيث تخاطر الأم بحياتها لأجل بقاء أطفالها على قيد الحياة. و فتاة تبكي أمها وتتوعد الاحتلال بالمقاومة، وطفل يودّع والدته، وهذا المشهد يذكرني برواية خريف البطريرك للروائي غابرايل ماركيز عندما حنط الديكتاتور جثة أمه، وليس جنوناً بل محاولة يائسة لإيقاف الزمن. وإن أكثر مشهد مؤثر ويندى له جبين الانسانية هو صورة الطفل الرّضيع تحت الانقاض، لا ندري هل هو حيّ أو ميت؟ أو ينتظر من يدفنه ولا يبكي بانتظار أمه التي استشهدت! ورجال الدفاع المدني يحاولون انقاذه، وهو ينظر إليه بذهول وبراءة. وطفل يتعرض للحرق بسبب التدافع وسكب الحساء على رأسه؛ وطفلة تركض تحت القصف وتقول يا الله يا االله!، وآخر يجر “بيدون” ماء رغم صغر سنه مؤكداً على عزيمة الحياة. وطفل يصدر أصواتاً غير مفهومه بين الأنقاض، يتعلم الكلام لكنه تكلم….
هذه هي غزة فالرضيع يحاكم العالم ببراءته، والقاتل إلى ظلام، والموسيقيّ يحول العالم إلى موسيقى، والعري العالمي يكشفه ويحاكمه أطفال غزة.
لقد اشتعل الرأس شيباً وهرماً من أفعال الطغاة والمحتلين، كما قال الشاعر”ابن الورد”:
فما شاب رأسي من سنين تتابعت طوالٍ ولكن شيّبته الوقائع
فما بالك بالطفل الفلسطيني الذي وصل به الحال إلى أن يصرخ: “سنكون شيوخاً، سنكون أبطالاً “.
وأخيراً يا أطفال العالم، لتدعوا للأطفال والطفولة في كل أنحاء العالم، ليحلّ الفرح والسلام على الأرض، كما قال الشاعر والبرلماني السوري بدوي الجبل:
ويا ربّ من أجل الطفولة وحدها أفضِ بركات السلم شرقاً ومغرباً
وصُن ضحكة الأطفال يا ربّ أنها إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا
باسل عليا .. كاتب سوري..سورية