ثقافة وأدب

أحلام مؤجلة

القاصٌة هند يوسف خضر.
عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في سورية

قافلة من الأحلام تركب على متن قارب الفجر وتسير لعلها تجد ميناءً ترسو عليه…
ليلى التي دخلت عامها الثامن عشر، تميزت بشعرها الأسود الكثيف، بشرتها السمراء الجذابة وقامتها الهيفاء، كانت تقطن في مخيم اليرموك ثم انتقلت مع أهلها للسكن في حي من أحياء دمشق نتيجة الدمار الذي تعرض له المخيم، بعد نجاحها في الثانوية العامة سجلت في الجامعة قسم العلوم السياسية، فقد كان طموحها منذ صغر سنها مثلها مثل نظيراتها من الفلسطينيات اللواتي يرغبن بالدفاع عن فلسطين و تحريرها، تعرفت في الكلية على شاب فلسطيني يدعى ابراهيم ، فيه من البطولة والشهامة وحب الوطن ما يكفي لتتعلق به أي فتاة وتنجذب إليه، اللقاءات كانت ميسرة بحكم دوامهما في نفس الجامعة، بدأت براعم الحب تزهر شيئاً فشيئاً، خططا لمستقبل يجمعهما معاً، لم تتسع الأرض لأحلامهما التي بدأت تكبر عندما أوشكا على التخرج..
بدأ ابراهيم عمله بعد التخرج كناشط سياسي، التحق بصفوف المقاومة، بدأ التدريب في إحدى المعسكرات، كان حلمه مثل حلم كل فلسطيني مسكون بالأمل لتحرير وطنه وتقبيل جدار الأقصى وكنيسة القيامة، أما بالنسبة لحلمه بالزواج من ليلى فقد تأجل قليلاً فالأولوية للأرض والوطن مع الإبقاء على العهد …
اللقاء بينهما غنياً جداً وطعمه حلو رغم ندرته ولكن لا يأس مع الأمل، لم يكن طموح ليلى أقل من طموح ابراهيم ، فقد كانت تتمتع بعزيمة تهد الجبال والسعي الدائم لتقديم كل شيء للأرض الحبيبة حتى لو تطلب الأمر الدم والروح وهذا ليس غريباً على شعب رضع حب الوطن دون أن يراه بأم عينه..
مرت سنة كاملة ولم يستطع أحدهما رؤية الآخر فيها حتى جاء يوم والتقيا خلسة..
ابراهيم: ليس لدي الوقت الكافي لأراك يا ليلى
ليلى: لابأس (قالتها بغصة) وتابعت: لكن ما السبب؟
ابراهيم: تم تكليفي بالقيام بمهمة قتالية مع الحدود ضد إسرائيل وبعد ساعتين يجب أن أكون جاهزاً للسفر
ليلى: بما أن الأمر يتعلق بفلسطين فأنا معك وأبارك لك خطوتك
ابراهيم: مازلت كما عهدتك وأكثر (أخت رجال) ..انتظريني سأعود ونتزوج..ومن الآن و حتى تاريخ انتهائي من المهمة سوف أطمئنك عني كلما استطعت..
ليلى: ليكن الله معنا..انتبه لنفسك
انتهى اللقاء السريع وبقيت الرغبات مكبوتة في نفس كل منهما…
انطلقت السيارة، وصل ابراهيم إلى مقر تجمع الرفاق وبدأ تنفيذ مهمته على مدار يومين و اجتاز الحدود مع رفاقه، في
اليوم الثالث خيم الليل وجلس الرفاق يخططون لإتمام باقي المهمة -فجأة- أضواء كاشفة بكل الاتجاهات..
ابراهيم قائد المجموعة: انتبهوا يا رفاق لا تطلقوا النار لا نريد أن نفقد عنصر المفاجأة، كانت عيون الرفاق مشدودة إلى الموقع العسكري تراقب أي حركة حتى حفيف الشجر،
ابراهيم : علينا يا رفاق مهاجمة الموقع عند الفجر،
تمضي الدقائق كأنها ساعات، الكل يده على الزناد بانتظار تلقي الأمر من ابراهيم لمهاجمة القاعدة العسكرية الموجودة على الحدود ،
أعطى ابراهيم إشارة الهجوم، بدأ إطلاق النار بكثافة بقي الاشتباك مستمراً حتى طلوع النهار،
وقع ابراهيم بالأسر بعد أن نفذت ذخيرته وسقط الرفاق الثلاثة شهداء،
لم يشعر ابراهيم إلا وقد وضعت عصبة سوداء على عينيه، يداه مكبلتان للخلف، الطريق طويل جداً إلى الأسر وكأنه مسافة سنة ضوئية…
مشاعر مبعثرة عاشها ابراهيم في السجن، عين على ليلى البعيدة المنتظرة عودته على أعتاب الجمر ، وعين على ذاك الوطن الموجوع الذي ينتظر فجر الحرية والخلاص..
عاشت ليلى على قيد الانتظار و بقيت أحلامها مؤجلة حتى إشعار آخر ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى