آخر الأخبارتحليلات و آراء

  وقف إطلاق النار في لبنان.. بين التفاؤل والتشاؤم

سليم الزريعي

تشير المعطيات إلى أن ما يسمى وحدة الساحات، قد سقطت أمام سعي كل من إيران وحزب الله إلى البحث عن الخلاص الفردي، بعد تقدم مساعي وقف إطلاق النار  وإعادة إحياء قرار مجلس الأمن  1701 ، الذي كان يهدف إلى ضبط العلاقة بين الكيان الصهيوني وحزب الله بعد حرب 2006. بعد أن نصح كبير مستشاري المرشد الإيراني علي لاريجاني حزب الله، خلال زيارته الأخيرة لبيروت بضرورة إعطاء فرصة للمفاوضات لعلها تتوصل لوقف النار، على ضوء ما لحق لبنان جراء العدوان الصهيوني، وما تعرض له سكان الجنوب حاضنة المقاومة، وحزب الله بشكل خاص،  من أجل وضع حد للعدوان الإسرائيلي.

لكن إنه لمن التبسيط قراءة النصيحة  الإيرانية بمعزل عن مقاربة طهران التي سبق أن أعلنها لاريجاني نفسه التي تدعو للتهدئة والعقلانية، عندما حذر الجهات الإيرانية من أي رد “غير مدروس” على الضربات الإسرائيلية، لأن “إسرائيل تهدف لنقل النزاع إلى إيران. الذي اعتبره لاريجاني فخ، يجب على طهران “التصرّف بحكمة لتجنّب الوقوع فيه، وعدم الرد بشكل غير مدروس”.

ومع أن حزب الله يمتلك من الإمكانيات والقدرات البشرية والعسكرية ما يجلعه يستمر في مواجهة واستهداف الكيان الصهيوني في عمق مناطقه، ـ إلا أنه بات يتعاطى بواقعية ومرونة مع الوساطة الأميركية التي يقودها الموفد الأمريكي عاموس هوكشتين، رغم ما لديه من تحفظات، خصوصاً أنه توصل إلى قناعة بأنه يكاد يكون متروكاً وحده في المواجهة، وهي الواقعية، التي جعلته يسقط شرط ربط وقف الحرب على لبنان، بوقف محرقة غزة. فيما كان يسمى وحدة الساحات.

لكن اللافت أن حزب الله تصرف بمسؤولية وطنية عالية، بخلاف ما جرى في المشهد الفلسطيني، عندما لجأ إلى مظلة الدولة اللبنانية ، بأن فوض  رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبالتنسيق مع الحكومة اللبنانية. للتوصل لوقف إطلاق النار، وصولاً لتسوية تفتح الباب أمام وضع حد للتدمير الإسرائيلي الممنهج للجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، ولمسلسل الاغتيالات، وذلك وفقا للمشروع الذي قدمته الولايات المتحدة.

وهو المشروع التي تتضمن مسوّدته «إقرار الطرفين بأهمية القرار 1701، كما تعطي للطرفين حق الدفاع عن النفس إذا لزم الأمر». ويقضي الاتفاق بانسحاب قوات الاحتلال خلال أسبوع، وإنه سيصار خلال 60 يوماً إلى إنجاز انتشار واسع للجيش والقوات الدولية والقيام بعملية تفكيك البنى العسكرية وضمان انسحاب عناصر المقاومة من المنطقة إلى جنوب الليطاني

وما يثير الاهتمام هنا أن الأميركيين «يظهرون جدية بالغة في التوصل إلى اتفاق، ويؤكدون أن هناك تنسيقاً بين إدارة الرئيس جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب، وكلاهما مصمّم على التوصل إلى اتفاق. وأبرز الأدلة على ذلك قرارهما وضع جنرال أميركي على رأس لجنة المراقبة.

ومع أن هناك تشكيكا في الوصول إلى  اتفاق من قبل الكيان، لكن تصريحات رئيس الاستخبارات العسكرية السابق اللواء عاموس يدلين تكشف أن «هناك تقدماً كبيراً»، وذلك بعد عودته من واشنطن حيث «عقد لقاء شخصياً مع هوكشتين قبل أيام». وقال يدلين إن «الاتفاق مع لبنان يتقدم بشكل كبير، وليس مستبعداً أن يُعلن إنجازه نهاية هذا الأسبوع». وأضاف: «الأمر الأهم هو أن الاتفاق بيننا وبين واشنطن حول الضمانات الأميركية بات جاهزاً. وإذا تم اتفاق في بيروت فسيتم توقيعه والانطلاق إلى التنفيذ».

لكن من يريد الاستمرار في الحرب مثل وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش يعتبر أن «الاتفاق مع لبنان لا يساوي الورق الذي يُطبع عليه». فيما قال نتنياهو نفسه، خلال اجتماع الكابينت السياسي – الأمني، وكذلك أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، إنه «ليس مهماً ماذا سيُكتب في الاتفاق، فالورقة هي مجرد ورقة وحسب».

من جهتها نقلت قناة «كان» عن مسؤولين أن «العقبة الرئيسية أمام اتفاق وقف إطلاق النار هي حرية عمل الجيش في لبنان»، مشيرة إلى أن «نقطة الخلاف الرئيسية حول التقدم في الاتفاق مع لبنان تتعلق بحرية عمل إسرائيل في لبنان في حال انتهاك الاتفاق».

ومع كل الحديث الإيجابي في بيروت حول المشروع الأمريكي لوقف إطلاق النار وتفعيل القرار 1701 ، وبيان وزارة الخارجية الأميركية الذي أكّد «أننا حقّقنا تقدماً بشأن وقف إطلاق النار في لبنان لكن لا يمكن التنبؤ بموعد التوصل إلى اتفاق»، ولذلك، استمرت وسائل إعلام الكيان الصهيوني الترويج لأجواء متناقضة. فنقلت القناة 13 عن مصادر أنه «لم يجري الاتفاق حتى الآن على زيارة هوكشتين إلى الكيان، بسب ما تقول إنها الفجوات الكبيرة التي لا تزال قائمة »، وأن «البند الذي ما يزال يشكل عائقاً أمام التوصل إلى اتفاق هو المطلب الإسرائيلي بحرية العمل في جنوب لبنان».

هذا الموقف المشكك من قبل الكيان إضافة إلى عمليات الضغط العسكري المتصاعد، إنما تهدف إلى مزيد من الإكراه المادي والمعنوي على الجانب اللبناني، وعلى حزب الله تحديدا، وهي السياسة التي فشلت حتى الآن في غزة، رغم الفارق الموضوعي والذاتي بين لبنان وغزة، وبين حزب الله وحماس، ولذلك من الصعب تصور أن يحصل ـويحقق الكيان على طاولة المفاوضات مع لبنان، ما كان قد عجز عن تحقيقه بقوته العسكرية، في صراعه مع حزب الله،  الذي ما تزال ذراعه العسكرية طويلة أيضا، بما يملكه من قدرات.

وأخيرا يمكن القول إن  موقف حزب الله ولبنان الإيجابي في مقاربته للمشروع الأمريكي، لا تكفي  وحدها إلى الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار،  لأن السؤال الأهم، هو: هل نتنياهو مستعد لعقد اتفاق؟ أم أنه سيعيد إنتاج نفس أسلوبه الذي مارسه على مدى عام حول وقف إطلاق النار في غزة؟  الأيام القليلة المقبلة ستجيب على ذلك..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى