مقاربة في وعد نتنياهو ضم منطقة غور الأردن ومستوطنات الضفة

 

سليم يونس

من مفارقات المشهد السياسي في فلسطين المحتلة، أنه بدا وكأن الجميع من فلسطينيين وعرب وأمم متحدة ودول غربية وغيرها، قد فوجئوا بإعلان رئيس وزراء الكيان الصهيوني، اعتزامه فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت، في حال فاز بالانتخابات العامة المرتقبة في السابع عشر من سبتمبر الجاري، وتجديد تعهده بضم المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة.

لكن إعلان نتنياهو حول أهمية فرض السيادة الصهيونية على منطقة الأغوار باعتبارها جداراً واقياً لما يعتبرها الحدود الشرقية لكيانه، هو ليس تصريحا جديدا، لأنه طالما كرره بتعابير مختلفة منذ حوالي خمس سنوات.

والسؤال لماذا نقول مفارقة ؟.. المفارقة تتأتى من كون الكيان الصهيوني استثمر وهم “صفقة أوسلو” ليكرس عملية الاحتلال بضم أراضي الضفة والقدس..وفي ظل وهم “وعد السلام” جرى الضم الواقعي للأرض ..لأن السؤال عندها من الذي كان سيجبر الكيان الصهيوني على الانسحاب من كل أراضي الضفة الغربية التي احتلها عام 1967، طالما سلمت منظمة التحرير بأوراق قوتها مسبقا مقابل وعد “أحفاد شيلوك” بالسلام؟

عملياً، ما يريده نتنياهو من السيطرة على غور الأردن، كجزء من مشروع ضم الضفة، هو قائم على أرض الواقع، ذلك أن معظم الأراضي في المناطق التي تحدث عنها نتنياهو هي عملياً تحت السيطرة الإسرائيلية.

فمنذ احتلالها عام 1967، سيطر كيان الاحتلال على مساحات شاسعة من غور الأردن، بأن أعلن عن حوالي 400 ألف دونم منطقة عسكرية مغلقة، وهي تشكل حوالي 55 في المئة من المساحة الكلية للأغوار، وأقام منذ احتلاله الضفة 90 موقعاً عسكرياً في تلك المنطقة ، فيما هجر ما يقارب الـ50 ألفاً من سكانها.

وإذا ما اقتربنا أكثر من المشهد في غور الأردن الذي يمثل نحو 30% من الضفة الغربية، نجد أن به مستوطنات تشكل 90% من منطقة الأغوار “من دون القرى أو المدن العربية مثل أريحا”.

وحسب تقسيم “أوسلو” لمناطق السيطرة (A-B-C) فإننا نجد أن مساحة المنطقةA)) الموجودة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية هي 85 كيلومتراً مربعاً، ونسبتها 7.4 في المئة فقط، من مساحة الأغوار، فيما تتقاسم السلطة والكيان الصهيوني مناطق (B)، التي مساحتها 50 كيلومتراً مربعاً ونسبتها 4.3 في المئة من المساحة الكلية للأغوار، أما المناطق (C) التي تبلغ مساحتها 1155 كيلومتراً وتشكل نسبة 88.3 في المئة من الأغوار فهي تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة ، وهذه المنطقة  غنية بالموارد الطبيعية والاقتصادية والسياحية، وتشكل نسبة 68 % ، من مساحة الضفة الغربية، فيما تشكل منطقة الأغوار حوالي 90 % منها.

ونكاية في أوسلو ومبادرة السلام العربية سيئة الصيت،  أقام الكيان الصهيوني 31 مستوطنة على مساحة 21 ألف دونم، وأضاف للمنطقة هذه 60 ألف دونم لضمان ظروف سكن جيدة للمستوطنين، الذين لا يتجاوز عددهم 11 ألف مستوطن وينتشرون في هذه المنطقة الفلسطينية الشاسعة. ووفق تقرير أعده مركز “بتسيلم”، مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فإن معظم أراضي منطقة الأغوار وشمال البحر الميت تستغلّها إسرائيل لحاجاتها، كونها تمنع الفلسطينيين من استخدام حوالي 85 في المئة من المساحة، ويمنعون من المكوث فيها ومن البناء ومن وضع بُنى تحتيّة، وحتى من رعي الأغنام ومن فلاحة الأراضي الزراعية.

لكن المشكلة أيضا ليست في منطقة غور الأردن فحسب ؛ وإنما في كل الأراضي المحتلة عام 1967، حيث يوجد زهاء 800 ألف مستوطن في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس، منتشرين ضمن 42 % من مساحتها الإجمالية، وفق حدود العام 1967، بعدما قضم الاحتلال الإسرائيلي 87 % من أراضي عاصمتها المنشودة.

ولم يتبق، نتيجة السياسة الاستيطانية الإسرائيلية، سوى 13 % من المساحة المتبقية بيد الفلسطينيين في القدس المحتلة، بعدما قضم الاحتلال 87 % من أراضيها، بشكل مباشر وغير مباشر.

فيما تطوق، اليوم، 15 مستوطنة ضخمة المدن والقرى والبلدات العربية في القدس المحتلة، عبر امتدادها على ثلث مساحة الأراضي التي تمت مصادرتها منذ العام 1967، وتقطيع أوصال أحياءها بثمانية بؤر استيطانية يقيم فيها ألفي مستوطن بين منازل المواطنين المقدسيين.

بينما “يزاحم” حوالي “4 آلاف مستوطن يهودي، ضمن أربع كتل استيطانية و56 وحدة استيطانية، لنحو 33 ألف مواطن فلسطيني داخل البلدة القديمة، التي لا تتجاوز مساحتها كيلو متر مربع واحد”، وفق دائرة شؤون القدس في منظمة التحرير الفلسطينية.

وزاد جدار الفصل العنصري “الطين بلة” كونه يلتف حول القدس بطول 142 كم، مسنودا بنحو 12 حاجزا عسكريا لتعقيد حياة المقدسيين وفصلهم عن نسيجهم المجتمعي الفلسطيني، فضلا عن طرد أكثر من 100 ألف مواطن فلسطيني خارج الجدار”.

أمام هذه الوقائع الممتدة منذ أوسلو وما قبله تصبح مواقف السلطة الفلسطينية والدول العربية هي نوع من خداع الذات ليس إلا  ، لأن الجميع يرى بالملموس وقائع التغيير الديمغرافي في الضفة الغربية، والقضم اليومي للأرض، وخلق وقائع جديدة على حساب مشروع الدولة الموعودة حسب أوسلو، في حين أن السياسة الصهيونية كانت تؤكد في كل يوم عبر الممارسة، أنها أخذت من أوسلو ما تريد، دون أن تنفذ  أيا من التزاماتها إلى الفلسطينيين، ومع ذلك بقيت منظمة التحرير والعرب يقولون إن خيار السلام لحل الصراع مع الكيان الصهيوني عبر المفاوضات هو خيارهم الاستراتيجي ، دون أن تتخذ على الأقل السلطة الفلسطينية أي خطوة تجاه الكيان الصهيوني لمواجهة تنصله من التزاماته وفقا لـ”صفقة أوسلو”.

ولا يملك للمراقب ألا أن يربط بين هذا الاستقواء من جانب الكيان الصهيوني وحجم التهافت الرسمي العربي، الذي جعل بعض الدول العربية تصل حد تحريض الكيان الصهيوني على بعض الأطراف العربية والإقليمية، بما يعنيه ذلك من اصطفاف سياسي كان من الطبيعي أن يوظفه الكيان الصهيوني في خدمة مشروعه الأيديولوجي الاستعماري في فلسطين، كونه يدرك أن أي جعجعة عربية رسمية بعد ذلك، هي فقط لذر الرماد في العيون.

لكن المحزن لدرجة الفجيعة هو موقف السلطة الفلسطينية الذي جاء في تعليق  الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو أن جميع الاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، وما ترتب عليها من التزامات تكون قد انتهت إذا نفذ الجانب الإسرائيلي فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت، وأي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967″.

لأن الرئيس عباس يعرف أكثر من غيره ليس أن الكيان الصهيوني لم ينفذ التزاماته حسب أوسلو، ولكنه أعدم أي فرصة لحل سياسي في حده الأدنى ، بعد أن استولى على الأرض وجعل من السلطة حراسا على أمنه في مناطقها عبر التنسيق الأمني المستمر رغم كل شيء.

وإنه لمن المعيب والحال هذه أن تطالب السلطة من الآخرين الانتصار لها ودعمها في مواجهة إجراءات الاحتلال، دون أن تمارس هي الانتصار لنفسها، عبر شطب أوسلو المشؤوم الذي لم يعد موجودا على الأقل ومنذ زمن من جانب الكيان الصهيوني.

وبتقديري فإن على السلطة أن تستعيد ذاتها بعد أن أضاعت ربع قرن في وهم السلام مع كيان عنصري إحلالي ، بشطب أوسلو من قاموس السياسة الفلسطينية، سوى أن يكون درسا مرا يجب التعلم منه، لأنه واهم من يتصور أن الشعب الفلسطيني سيقبل باستمرار الوضع على ما هو عليه، من عدوانية صهيونية مدعومة أمريكيا وتهافت عربي وصل حد المهانة.. لأن استمرار حالة التخاذل وجعجعة الفصائل، ستدفع الشعب الصامد إلى أخذ زمام المبادرة في مواجهة عدوانية الاحتلال، وقد أكدت التجربة أنه كان دوما أهلا لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى