مفارقة أن تكون واشنطن ضامنة..!
سليم الزريعي
يبدو أن سؤال الفنان حسني البورظان في مسلسل صح النوم 1972، إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا؟ يجب أن نعرف ماذا في البرازيل؟ هو استهلال مناسب نبدأ هذا المقال، بأن نقيس على نفس السؤال، بأن نسأل إذا أردنا أن نعرف ماذا سيجري في غزة، علينا أن نعرف ما الذي جرى في لبنان بعد وقف إطلاق النار برعاية وضمانة أمريكية فرنسية؟ مع الفارق في أن هناك في لبنان وجود لحكومة شرعية منتخبة، أما قطاع غزة، فهناك بقايا وجود لسلطة أمر واقع استولت على السلطة عبر انقلاب من قبل فصيل سياسي. سؤالا افتراضيا، وسابقا لأوانه، لكنه وفق منطق الأشياء، هو سؤال واقعي.
ذلك أنه على ضوء التجربة التي ما نزال نعيش فصولها وتداعياتها، يأتي تعبير” العبثية”، في توصيف طلب حماس من جهة معينة بذاتها أن تكون ضامنا لوقف إطلاق النار، في حين أن تلك القوة هي في الوقت نفسه راعية العدو وشريكته في الحرب على غزة. وهذا ربما يشير إلى وجود مشكلة لدى الطرف الفلسطيني المفاوض، في قراءة ميزان القوى بالمعنى الراهن، بعد كل التداعيات التي رافقت الانهيارات لدى ما سمي بمحور المقاومة، ومحدودية ورقة المساومة الأخيرة لدى حماس التي تتعلق بالرهائن.
ذلك أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني يريد مفاوضات تحقق شروطه، التي هي في المحصلة كما قال “إن حكومته ستعمل على “القضاء التام على حركة حماس” وعدم السماح بعودتها إلى السيطرة على قطاع غزة”، مع أن حماس سبق أن أكدت ” استعدادها للبدء الفوري في مفاوضات مكثفة للوصول إلى اتفاق نهائي لوقف الحرب وتبادل الأسرى وإدارة قطاع غزة من قبل جهة مهنية مستقلة.”
وأشارت الحركة في بيان إلى أن “الإدارة المستقلة للقطاع ستعمل على ضمان استمرار الهدوء والاستقرار لسنوات طويلة، إلى جانب الإعمار وإنهاء الحصار”. وبالطبع موقف حماس الانسحاب من مشهد السلطة، هو ليس زهدا في الحكم، ولكن لأنها باتت تلمس أن الوقت ليس في صالحها على كل الصعد، حتى على الصعيد الشعبي الفلسطيني الغزي.
هذا الاستعداد من قبل حماس للتخلي عن سلطتها في عزة، بل والوعد بضمان أن أمن الكيان لن يتعرض من قبلها، لأي خطر من غزة، بما يعنيه ذلك من قبول التخلي، عن فكرة مقارعة الكيان، لسنوات طويلة.. ومع ذلك فإن الكيان يماطل في الوصول إلى هدنة، ويمكن التقدير هنا أن الكيان، له هدف آخر يتجاوز مسألة الإفراج عن الرهائن، وإنما هو في هندسة قطاع غزة لتلبي متطلبات استراتيجية الكيان الصهيوني. فهو لا يقف عند حد أن لا يكون هناك وجود لحماس كبنية سياسية وعسكرية. وأن قطاع غزة لن يعود كما كان قبل طوفان حماس، وإنما هو يريد الاحتفاظ ب40% من مساحة القطاع كأمر واقع.
وهذا بالتأكيد ما يسعى إليه العدو ويخوض مفاوضات وقف إطلاق النار الجارية حاليا، على أساسه، فيما هو يمارس ذلك الاستقواء الذي لا يقيم وزنا إلى أي اتفاق، كما يجري في لبنان الآن، وطوال فترة ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي صاغته وضمنته الولايات المتحدة وفرنسا، ومع ذلك فإن حزب الله اللبناني ما يزال تحت النار وهدفا للعدوان الصهيوني، ولذلك نقلت وسائل الإعلام عن وزير خارجية الكيان الصهيوني جدعون ساعر موقفًا حازمًا من حركة حماس، مفاده أنها “لا يمكن أن تسيطر على غزة أو أن تكون جزءًا من مستقبل القطاع”، كما قال.
بل إن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو كشف نوايا الكيان بشكل واضح، فهو لا ينوي إنهاء الحرب والاحتلال في عزة، كونه اشترط على جولة المفاوضات الراهنة، البدء فورا في مفاوضات إنهاء الحرب في غزة مع بداية وقف إطلاق النار أي على مدي الـ60 يوما المقترحة لوقف إطلاق النار، على أن ” يجري خلال هذه المدة، نزع سلاح حماس وتفكيك الحركة”، وفي حال لم ينزع السلاح قال نتنياهو” سنعود للقتال».
إذا ليس هدف الكيان هو عودة الرهائن، وإنما هو يجدها فرصة تاريخية بما يضمن له، هندسة واقع جديد في غزة، بعيدا عن حماس وغيرها، وجعل غزة معتقلا كبيرا تصعب الحياة فيه بعد مصادرة أكثر من ثلث مساحته، مستغلا واقعا عربيا وإسلاميا متهافتا؛ بل وبعضه صهيوني بامتياز، ووجود رئيس أمريكي هو الأكثر سوءا بالنسبة للفلسطينيين.
وأخيرا يبقى السؤال هو: منذ متى كانت أمريكا نزيهة وصادقة حتى تكون ضامنة؟ في حين أن من يضمن حقوقك هو ميزان القوى، التي أهم مفرداته هي الوحدة الوطنية الصادقة والتفاف الشعب حول هذه الوحدة.. وإذا ما قدرنا ما الذي سيجري في غزة بعد ذلك، علينا أن نستحضر مثال لبنان، وسؤال مسلسل “صح النوم” للفنان حسني البورظان، مع تعديل المسميات.