بين دراما النووي الإيراني.. وترسانة الكيان الصهيوني النووية..!

أكدت التجربة التاريخية، أن هذه الذهنية المحشوة بالغطرسة والعدوانية والاستهانة بالآخر، هي أحد المكونات التي تحكم السلوك الأمريكي الذي طالما مارسته واشنطن عبر تاريخها، كمجموعات غزاة ونهب كولنيالي.. على مر تاريخها الدموي الأسود.
وهو السلوك الذي عشناه ونعيشه من خلال موقفها الآن من العدوان الصهيوني اليهودي المستمر على غزة، ثم في عدوانها المباشر على المواقع النووية الإيرانية، بعد أن أدركت قصور الكيان الصهيوني عن تنفيذ المهمة المطلوبة.
إن إقدام واشنطن على استهداف المنشآت النووية الإيرانية التي تقع تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو الاستهداف الذي جري خارج نطاق قرارات المؤسسات الدولية، مثل مجلس الأمن، أو حتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بأن وضعت واشنطن نفسها فوق القانون الدولي، وأعادت إلى الذهن أكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقية، من أجل احتلال العراق والقضاء على النظام القائم فيه آنذاك، ارتباطا بنزوات حاكم واشنطن وشريكة البريطاني حينها.. ودون تخويل من مجلس الأمن الدولي.
والدراما الجديدة التي أقحمت الولايات المتحدة المنطقة والعالم فيها، تأني بزعم أن هناك تهديدا إيرانيا محتملا بعد امتلاك طهران السلاح النووي خلال أيام، ولذلك كان يجب؛ وبقرار أمريكي صهيوني تحييد هذا الخطر الإيراني المتخيل بالقوة، فأمريكا والغرب الإمبريالي الذين ساهموا في بناء المشروع النووي الصهيوني، ويعرفون يقينا أن الكيان الصهيوني يمتلك ترسانة نووية خارج حساب الرقابة الدولية، فيما هذا الكيان النازي يملأ الدنيا عويلا عن الخطر الإيراني المحتمل، ولأنهم كذلك، من الطبيعي أن لا يستشعر أحدا من هذه الدول الإمبريالية، مخاطر وجود ترسانة نووية لدى الكيان هذا الكيان اليهودي النازي.
وتوصيف النازي ليس توصيفا اعتباطيا، وإنما هو تقرير واقع بناء على مجريات اتهامات محكمة الجنايات الدولية، التي تؤكد هذه الحقيقة التي يعيشها الفلسطينيين، وربما الأكثر توصيفا لذل، هي مطالبة وزير التراث في الحكومة الصهيونية عميحاي إلياهو في 5/11/2023 بشكل واضح وسمعه كل العالم، إلى “إلقاء قنبلة نووية على غزة”، لأن ذلك كما زعم” هو حل ممكن، مضيفا أن قطاع غزة يجب ألا يبقى على وجه الأرض”، وفقا لصحيفة إسرائيل اليوم.
هذه القنبلة التي سيلقيها الوزير النازي على أهل غزة، لن يستعيرها الكيان، أو يشتريها من السوق، وإنما هي جزء من ترسانته النووية، التي كونها بدعم من الدول الإمبريالية الغربية، ومع ذلك فهذه الدول تتجاهل ترسانة الكيان الصهيوني النووية، وترى في طهران الخطر الذي سيهدد البشرية، سيما بعد أن طالب وزير صهيوني علنا وبالصوت والصورة، لاستخدام السلاح النووي لدى الكيان، لإبادة أهل غزة.
لكن هذه الدول المنافقة والكاذبة لم تسمع الوزير الصهيوني، ولكنها ترى في إيران خطرا قائما مع أنها لا تملك حتى الآن سلاحا نوويا، ومن ثم فإن هذه الدول، بنت مؤامرتها على ما تعتبره نوايا إيران المحتملة، فهي هنا تحاكم إيران على نواياها المحتملة التي هي أوهام صهيونية غربية، ليكون السؤال هل كانت حسابات أمريكا وأداتها الكيان الصهيوني، ستدعها تجرؤ على التعدي على إيران؛ لو كان لدى طهران سلاحا نوويا؟ أو على الأقل لفكرت ألف مرة قبل الإقدام على مثل هذه الحماقة، التي هي وصفة لنشر الفوضى في هذا الجزء من العالم؛ الذي يعتبر سرة العالم، وهي الفوضى التي ربما تطال أمريكا ومصالحها في المنطقة، ومن شأنها أن تجعل كل دول العالم التي تنشد الحرية ولاستقلال عن النفوذ والهيمنة الأمريكية، والدول الاستعمارية الغربية بشكل عام، تقتنع أنه لا ضمانات من أي جهة دولية أو غيرها رادعة، يمكن أن تمنع العدوان الأمريكي ودول حلف الناتو عليها؛ سوى أن تكون قوية.
وهو استخلاص بالغ السوء ليس في مصلحة أي طرف، حتى مصلحة تلك دول الهيمنة الإمبريالية التي لا تريد أن تستوعب أن العالم اليوم يتغير باتجاه التعددية القطبية، وزيادة النزوع الدولي، كمجموعات إقليمية أو دولية، للتخلص من الهيمنة الأمريكية، ودول الغرب الإمبريالي، التي استفحلت بعد، انهيار نظام الثنائية القطبية؛ جراء تفكك الاتحاد السوفيتي.
هذا الإرث البغيض، جعل بعض المؤسسات الدولية، لا تمثل سياسات الأمم المتحدة بنزاهة وحيادية، وإنما باتت أدوات في يد الولايات المتحدة والغرب الإمبريالي، مما جعلها تصبح طرفا؛ وليس حكما، وهو الدور الذي لعبته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي كانت طرفا وليس حكما، وهو سلوك مخجل للأسف يضع الوكالة، بصفتها القانونية في خدمة سياسات أمريكا والغرب الاستعماري، وهذا يعني نزع الثقة من هذه المؤسسة لأنها ليست محايدة، وقراراتها سياسية منحازة وليست فنية، في خدمة السلم العالمي.
ويجب أن لا يتبادر إلى الذهن أن تلك الدول تقيم وزنا للقانون الدولي، أو للشرعية الدولية ممثلة في مؤسسات الأمم المتحدة، كونها تعتبر أن قراراتها ونزوات حكامها؛ هي أسمى من القانون الدولي، طالما أنه لا يخدم مصالحها في الهيمنة على دول العالم المختلفة، مما يجعلها تصبح أكثر عدوانية عندما تُمس تلك الهيمنة، التي تشير الوقائع إلى أنها تتجه نحو التراجع، على وقع تشكل كيانات وتجمعات دولية، لكسر هذه الهيمنة، ولذلك يزداد سُعار تللك الدول للحفاظ على تلك الهيمنة .. ولكن يبدو أن الوقت قد فات على ذلك، لأن العالم يتجه فعلا، نحو التعددية القطبية الذي هي نتاج توازن جديد للقوى السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهو التوازن الذي لن تكون أمريكا والدول الأوروبية، بمعزل عن تأثيره، وربما يكونون هم الضحايا مع الوقت.