السيسي يدافع عن بناء القصور في لقاء مغلق بنيويورك: «أين سأستقبل ترامب»؟
قال الصحفي الأمريكي لبريت ستيفنز، الكاتب متخصص بشؤون الشرق الأوسط لدى صحيفة The New York Times الأمريكية، إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دافع خلال لقاء مغلق بنيويورك، عن تشييده لقصور رئاسية، رداً على الاتهامات التي شنها عليه الفنان والمقاول المصري محمد علي منذ نحو شهر.
وأضاف ستيفنز أن السيسي رفض وصف ما يشيّده في مصر بـ»القصور»، وقال السيسي متحدثاً عن الرجل الذي يصفه بأنَّه «ديكتاتوره المفضل»: «أين أستقبل الرئيس ترامب؟»، مضيفاً أنَّ تلك المباني ليست قصوراً، وهي مبانٍ «رمزية» ويجب أن يكون شكلها «مناسباً».
وقال ستيفنز، إنه تلقى دعوة خاصة من «معهد تشاتام هاوس» يوم الخميس الماضي، 26 سبتمبر/أيلول، لحضور فعالية ضمن لقاء مغلق بفندق Palace Hotel بنيويورك حضره 25 شخصاً فقط، حيث كان يقيم السيسي أثناء زيارته للمدينة للمشاركة بأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأكد الكاتب والصحفي الأمريكي أن اللقاء عُقِد وفق قواعد «معهد تشاتام هاوس»، التي تمنع الحاضرين من الإفصاح عن أي شيء قِيل، باستثناء ما سمح السيسي بنشره، مشيراً إلى أن الرئيس المصري دعاه وآخرين لزيارة مصر، للقيام بجولة للاطلاع على بعض مشروعات البناء الحديثة في مصر، والتي شدد على عدم وصفها بـ»القصور».
ويعدّ «معهد تشاتام هاوس»، أحد أهم المراكز البحثية المهتمة بالقضايا السياسية في العالم وتغطي اهتماماته معظم أصقاع العالم، وينظم ملتقيات دولية وطاولات مستديرة مغلقة وأخرى مفتوحة، وحلقات نقاش طويلة، وحوارات مع السياسيين والباحثين الزائرين.
«السيسي يتصوّر أنه يحظى بشعبية»
يقول الصحفي الأمريكي، إن هذه ليست أول مرة يلتقي بها السيسي، إذ كان قد التقاه قبل عدة سنوات في القاهرة، وأجرى معه مقابلة لصالح مجلة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، وحول ذلك يقول لبريت ستيفنز: طلبتُ من عبدالفتاح السيسي قبل عدة سنوات في القاهرة، تحديد الخطأ الأكبر للرئيس السابق حسني مبارك. فأجاب السيسي سادس رئيس لمصر، مُتحدِّثاً عن رابع رؤساء البلاد، والذي حَكَم كما لو كان فرعوناً لقرابة 30 عاماً قبل أن يُطاح به شعبياً: «(خطأه) أنَّه بقي في الحكم طويلاً».
ومنذ ذلك الحين، «أُعيد انتخاب» السيسي، الذي تولى السلطة في انقلاب عسكري عام 2013، لولاية جديدة بنسبة 97% من الأصوات، وعدَّل الدستور بما يمكن أن يتيح له البقاء بالسلطة حتى عام 2030. ويبدو أنَّه يتصوَّر أنَّه يحظى بشعبية.
«السيسي خائف من ثورة جديدة»
يقول ستيفنز: وأياً كان المُسمَّى الذي ينبغي إطلاقه على تلك المباني، فقد شرع السيسي في فورة بناء تتضمَّن بناء عاصمة إدارية جديدة بقيمة 58 مليار دولار، إلى جانب 13 مدينة جديدة إضافية، في نفس الوقت الذي تسبَّب فيه اتِّباعه من الناحية الأخرى لبرنامج تقشف قياسي مدفوع من صندوق النقد الدولي إلى الضغط بشدة على المصريين.
يضيف: «لكنَّ تلك الطموحات المرتبطة بالمظاهر والصلف واجهت مشكلات تمويل غير متوقعة، بعدما باتت الإمارات غير متحمسة لتحمل فاتورة المدن الجديدة الشبيهة بالأقصر.
وواجهت كذلك مشكلات سياسية غير متوقعة. فأبرزت الاحتجاجات التي اشتعلت في أرجاء البلاد هذا الشهر بسبب مزاعم مقاول إنشاءات يدعى محمد علي، بشأن الإسراف وإساءة إدارة الأموال العامة اتساع نطاق الاستياء من حكم السيسي. ردَّ النظام بموجة جديدة من الاعتقالات تُقدَّر بالآلاف، وغَمَرَ ميدان التحرير في القاهرة بالشرطة وقوات الأمن الجمعة، الأمر الذي يبرز مخاوف السيسي من إمكانية تكرار ما حدث مع مبارك له».
يردف الكاتب: لكن من المستبعد حدوث ذلك، حتى الآن. فالمصريون لا يريدون رؤية تحول بلادهم إلى سوريا أو ليبيا أو يمن آخر، حيث أدَّت الثورات في تلك البلدان إلى الانهيار. كما لا يشعر معظم المصريين بالحماس للعودة إلى ذلك النمط من الديمقراطية الذي كانوا يتمتعون به تحت قيادة محمد مرسي، الرئيس المنتمي للإخوان المسلمين. وقد توفي نتيجة «أزمة قلبية» أثناء محاكمته بتهم متعلقة «بالتجسس»، ويقول مؤيدوه أنه مات جراء الإهمال الطبي المتعمّد.
هل السيسي أفضل ما يمكن لمصر أن تأمله؟
يتساءل الكاتب: «لكن هل يعني هذا أنَّ نهج السيسي المباركي القديم –الذي ينطوي على ديكتاتورية بلا تعصب، وفساد مؤسسي دون نهب كلي، ودولة أمنية دون قتل جماعي، وتعاون مع الغرب في الشؤون الدولية دون تبنّي القيم السياسية الغربية- هو أفضل ما يمكن لمصر أن تأمله؟
كنتُ أعتقد ذلك. إذ اتضح أنَّ الديمقراطية أصبحت دعوة لصعود الإسلاميين، لم تجتذب الليبرالية المصرية. وكان السيسي مصمماً على الحفاظ على علاقاته مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ومحاربة «الإرهاب» عسكرياً وأيديولوجياً.
أمَّا بالنسبة للبدائل الأخرى التي يطرحها القادة السياسيين العرب، فهي تتلخص في الديكتاتوريات العلمانية على النمط الجزائري، أو الديكتاتوريات العسكرية على النمط السوداني، أو الديكتاتوريات العائلية على النمط السعودي. وتوجد تونس، التي تُوصَف أحياناً بأنَّها قصة نجاح الربيع العربي، على كف عفريت سياسياً.
هل وضع مصر سيئ فعلاً بالمقارنة مع هذا؟
يقول ستيفنز: الوضع أسوأ. إذ أهدر السيسي الفرصة التاريخية لضرب المثل على ترك منصبه طواعيةً، مثلما فعل نيلسون مانديلا، حتى لو كان فعل ذلك في سياق عملية انتقالٍ مُدارة لأحد معاونيه الموثوقين في حزبه (على شاكلة المكسيك تحت حكم الحزب الثوري المؤسسي، أو جنوب إفريقيا تحت حكم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي).
وخسر السيسي فرصته من أجل تقليص، على أقل تقدير، الدور الطاغي الذي يضطلع به الجيش في الاقتصاد المصري، وفتحه أمام أطراف فاعلة أخرى، ونزع فتيل مصدر رئيسي للاستياء الشعبي. وأحرق دون داع الجسور مع الليبراليين، سواء المصريين أو الغربيين، من خلال التعامل معهم باعتبارهم أعداء سياسيين على قدم المساواة تقريباً مع الإخوان المسلمين.
السيسي: «أنا أو الطوفان»
يقول ستيفنز إن «السيسي جعل أي نوع من الإصلاح السياسي والاقتصادي والأيديولوجي التدريجي، شبه مستحيل. وهو يريد تقديم خيارين للمصريين: هو أو الطوفان. وفي النهاية، سيفوز الطوفان حتماً».
يضيف: «وسواء كان السيسي ديكتاتوراً مُفضَّلاً لترامب أم لا، فإنَّه لن يكون رهاناً جيداً على المدى الطويل للولايات المتحدة، ويمكن أن ينتهي الأمر بكونه رهاناً كارثياً، كما حدث مع شاه إيران الراحل. يجب إعادة النظر في «ديكتاتور ترامب المفضل».. يردف الكاتب: «وهذه رسالة للقول إنَّه يجب أن يكون هناك ثمنٌ للدعم الأمريكي، يُدفَع في صورة الإصلاح السياسي والاقتصادي التدريجي. والسيسي، من بين الجميع، يجب أن يكون مدركاً لهذا. إذ قال لي حين تقابلنا قبل بضع سنوات في القاهرة: «لسنا آلهةً على الأرض». وينبغي أن يدفعه اهتمامه بالحفاظ على ذاته، وكذلك بالحفاظ على ما فيه الخير لمصر، للتوقف عن التصرُّف كما لو كان إلهاً على الأرض».