المفارقة.. العرب الصهاينة

سليم يونس

 

ليس مطلوبا من الإمارات والبحرين  أن يحررا القدس أو يدعما كفاح المقاومة الفلسطينية من أجل التحرير والعودة، ولكن المطلوب كأضعف الإيمان، هو أن يكفا أذاهما عن الفلسطينيين وتواطؤهما مع الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، هذا إذا كان هناك من إيمان ابتداء، كون سلوكهما لا يشي بوجود مثل هذا الإيمان.

للأسف ذلك يجري فيما ينظر الصهاينة اليهود للعرب والمسلمين بتعال وغطرسة واحتقار، ولعل ما قاله “الحاخام عوفاديا يوسِف، مؤسس حزب (شاس)، مُمثِّل اليهود المُستجلبين من المغرب، الذي  وصف العرب والمسلمين بأنهم أفاعٍ رقطاء، وأضاف خلال درسٍ دينيٍّ حول موضوع عيد الـ(حانوكا) اليهوديّ قائلاً عن المسلمين: “إنّهم حمقى ودينهم مقرف مثلهم”.

فيما قال مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق حسبما نشر الصحافيّ التقدّمي الإسرائيليّ، أمنون كابيليوك، في كتابه (نيو ستيتمان)، في الـ25 من حزيران (يونيو) من العام 1982: “اليهود أسياد العالم، نحنُ اليهود آلهة على هذا الكوكب، نحنُ نختلِف عن الأجناس السُفليّة مثل اختلافهم عن الحشرات، في الواقع، إنّ الأجناس الأخرى مُقارنةً مع جنسنا تُعتبر بهائم وحيوانات، أوْ ماشية في أحسن الأحوال، الأجناس الأخرى هي كالفضلات البشريّة، قُدّرَ لنا أنْ نحكم الأجناس السُفليّة، سوف يحكم قائدنا في مملكتنا الدنيويّة بقبضةٍ من حديدٍ، وستقوم الشعوب بلعق أقدامنا وخدمتنا كالعبيد”. (خطاب ألقاه مناحيم بيغن في الكنيست الإسرائيلي).

هذه النظرة للأغيار هي مكون عقدي عند اليهود الصهاينة، ويبدو أن هناك حقا من العرب من هو على استعدد لـ”لعق”  أقدام النازيين الصهاينة في فلسطين المحتلة، كما قال بيغن، وللأسف يباهي بذلك باعتباره شرفا.

ويبدو أن استعداد البعض استمراء لعِب دور أن يكون” دونيا” بات أمرا واقعا دون حياء أو خجل، أو بعض من كرامة، وهذا يكشف كم رخَّص هؤلاء أنفسهم أمام عدو يحتقرهم ابتداء، ومع ذلك من الضروري كشف زيف رواية التضليل التي يقول بها هؤلاء المطبعين، من أن علاقتهم مع الكيان الغاصب  لن تكون على حساب الحقوق الفلسطينية، ولأن حبل الكذب قصير، فإن هذه الأنظمة التابعة لم تكتف بالتطبيع وبيع نفسها للصهاينة فقط، وإنما كشف تهافتها أنها  تشارك في الحرب على الفلسطينيين من خلال توسيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، بل وتبني مع سبق الإصرار وجهة نظر غلاة قطعان الصهاينة الذين أقاموا لهم مستوطنات في الضفة الغربية، وهو تبني (عربي إماراتي بحريني) يخالف القرارات الدولية في تكييفه القانوني للاستيطان والمستوطنات، التي وصَّفتها أنها غير شرعية في تلك المناطق، كون تلك الأراضي هي مناطق محتلة، دون أن تراعي دول التطبيع القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في وطنه.

ووفق هذا التكييف فإن كل ما تنتجه هذه المستوطنات من سلع ومواد صناعية أو زراعية، يجب أن توسم على أنها صُنِّع أو أُنتج في المستوطنات غير الشرعية، حتى لا يجري تسريبها إلى أسواق الدول الأخرى باعتباره منتجا إسرائيليا، ولذلك فإنه من المعيب بالمعنى الأخلاقي والإنساني أن تفتح الإمارات والبحرين أسواقهما أمام منتجات المستوطنات التي هي سرقة مكشوفة لخيرات فلسطين على الأقل في الضفة الفلسطينية المحتلة،  في الوقت الذي تطالب فيه الجهات الفلسطينية أن يتصرف هؤلاء المطبعين  بحس إنساني وقانوني ضد تلك المنتجات الصهيونية كحد أدنى، عوض أن يشاركوا في هذه الجريمة.

إن تجاوز وتعدي البحرين والإمارات على القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الذي حظر التعامل مع المستوطنات، هو انتصار لقطعان المستوطنين ورؤية إدارة الرئيس السابق رونالد ترامب في شرعنة الاستيطان،  بما يعنيه ذلك عمليا وبعيدا عن الادعاء والكذب الذي تروجه تلك الدولتين، كون فتح أسواقهما لمنتجات المستوطنات هو تعد صارخ ووقح من قبل تلك الدولتين على حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في أرضه.

لكن المفارقة أنه في الوقت الذي تستقبل فيه تلك الدول إنتاج المستوطنات المقامة في الضفة الفلسطينية المحتلة، ألزم حكم قضائي لمحكمة العدل الأوروبية الدول الأعضاء في الاتحاد بوضع ملصق “منتج مستوطنات” على السلع الإسرائيلية المنتجة في المستوطنات، وليس ملصق “صنع في إسرائيل”. وذلك يعني أنها منتجات مستوطنات غير شرعية مقامة في أراض محتلة، فيما طالب 13 إسرائيليًا بارزًا، من بينهم سفراء سابقون وسياسيون وأكاديميون، أوروبا بفرض حظر على استيراد السلع المنتجة في المستوطنات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

جاء ذلك في خطاب وجهه 13 إسرائيليًا إلى ديوان العدالة الأوروبي، الذي شدد على أن هذا القرار يؤكد أن هذه المستوطنات غير شرعية، ويبرز أهمية القانون الدولي، مضيفًا أنه “رغم أهمية هذه الخطوة، إلا أنها غير كافية، لذلك فإننا ندعو الاتحاد الأوروبي لحظر استيراد منتجات المستوطنات الإسرائيلية بالأراضي المحتلة”.

وأشار الخطاب إلى أن “تلك المستوطنات هي السبب الرئيس لانتهاكات حقوق الإنسان بحق الفلسطينيين”، وتابع بأن “الاحتلال استنزاف أخلاقي، ولا يمكن التنبؤ به من الناحية الاستراتيجية، وضار تمامًا بالسلام”.

لكن هذا الموقف الأوروبي وبعض اليهود في كشف حقيقة المستوطنات، يجافيه تماما السلوك الإماراتي والبحريني الذين يعتبرون أخوة للفلسطينيين، ليكشف إلى أي حد بلغ استعداد تلك الدول العربية للأسف، تشجيع انتهاك حقوق الفلسطينيين مع سبق الإصرار والترصد، واستقبال منتجات المستوطنات، الأمر الذي دفع السلطة الفلسطينية إلى تقديم شكوى رسمية ضد حكومة أبو ظبي، لاستيرادها منتجات المستوطنات، خلافا للقانون الدولي.

وجاء في الشكوى أن إسرائيل وشركاتها الاستعمارية واستثماراتها بدأت هذا العام باتفاقيات تجارية مع العديد من الشركات الإماراتية. وأشارت إلى أن هذه الاتفاقيات تتناقض مع “القائمة السوداء” التي أطلقتها مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان لحظر التعامل مع المستوطنات. وأكدت أن ذلك يشكل انتهاكا جسيما للقانون الدولي، يرقى إلى مرتبة الجرائم الدولية، ويجب أن يخضع للمساءلة.

إن إقدام الإمارات والبحرين على هذا السلوك المعادي للشعب الفلسطيني مع سبق الإصرار والترصد يتماهى واستباحة قطعان المستوطنين أراضي الضفة الذين يستهدفون ليس البشر وحسب، بل وحتى الشجر والمقدسات  في عدوانية وحشية عير مسبوقة، بسماح هاتين الدولتين  الخليجيتين لإنتاج قطعان المستوطنين دخول أراضيها، فيما يمكن  القول أنه ترسيم لتحالف يهودي عربي خليجي، يمكن وصفه أنه “الصهيونية اليهودية الخليجية الجديدة”… ومن ثم لا عزاء لأهل فلسطين وقدسهم وأقصاهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى