صمت قاعدة العيديد يكشف أن.. “المتغطي بأمريكا عريان”
كان يوم 9/9/2025، يوما صادما بامتياز للمستوى السياسي القطري، جراء استهداف مقر قيادة حماس في قطر، وهي التي كان وجودها في الدوحة في البدء بضوء أخضر أمريكي، ورضا من كيان الاحتلال هذا أولا، ثم أن عمق الصدمة ناتج عن حالة إنكار الجميل، الذي قدمته قطر للكيان طوال عقود، بالانفتاح عليه من تحت الطاولة وفوقها، عبر الزيارات والعلاقات التجارية، والعلاقات العامة، بل إن الدوحة هي التي فتحت الباب عبر قناتها الإعلامية، في فرض السردية الصهيونية المروجة للأساطير التوراتية، على كل بيت عربي تدخله تلك القناة، عبر استهداف العقل العربي من خلال استضافة نخب ثقافية وسياسية صهيونية لاختراق الوعي العربي على حساب الحق الفلسطيني.
ولا يمكن للمراقب إلا أن يستحضر كيف تعاون الكيان الصهيوني مع الدوحة، وموافقة أمريكية، حتى أيام قبل واقعة طوفان حماس؛ على نقل المال في حقائب بمعرفة نتنياهو والأجهزة الأمنة للكيان كموازنة لحركة حماس كي تغطي بها مرتبات عناصرها، بمعنى أن الدوحة كانت تعتبر أن الكيان شريك مؤتمن كون الاثنين يعتقدان ان المظلة الأمريكية تحميهم. حتى أن الدوحة، وفق تقارير قد ساعدت في عام ٢٠١٣،الكيان الصهيوني، في عملية تهريب مجموعة من اليهود اليمنيين إلى الكيان، بأن سمحت لـ ٦٠ يهوديًا فارين من اليمن بالمغادرة من الدوحة على متن رحلة جوية إلى فلسين المحتلة.
بل إن الدوحة عرضت مقايضة الكيان الصهيوني استعادة علاقاته التجارية معها، والسماح بإعادة البعثة الإسرائيلية في الدوحة، بشرط أن تسمح إسرائيل لقطر بإرسال مواد البناء والأموال إلى حركة حماس في غزة، للمساعدة في إعادة تأهيل البنية التحتية، شرط أن يصدر الكيان بيانًا عامًا يعرب فيه عن تقديره لدور قطر ويعترف بمكانتها في الشرق الأوسط. لكن الكيان رفض ذلك.
لكن يبدو أن الكيان كان يتعامل مع قطر على أنه هو الدولة الكبرى، وأن قطر هي التي تخطب وده لأسباب عديدة، مع أن قطر باشرت منذ عام 1996 في الانفتاح عليه، فكان أن زارها شيمون بيريز رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق مرتين، عدا العديد من المسؤولين الصهاينة، وقد اعتبر ذلك لدى البعض منطقيا، وهو العام الذي طلبت فيه قطر استضافة قاعدتين عسكريتين أمريكيتين ، بكل الدلالات التي يحملها هذا الوجود.
ليبقى سؤال تواجد القواعد الأمريكية في قطر وغيرها من كل دول الخليج إضافة إلى العراق والأردن، هل هو لتقديم الدعم؛ وحتى الحماية لتلك الدول، وإذا كان ذلك بنعم، فالحماية مٍن مَن؟ وما هي طبيعة العلاقة بين تلك الدول والولايات المتحدة؟ بالنسبة لي لدي جواب على هذا السؤال، لكنني أطرحه كسؤال كاشف، هل هي حقا علاقة تحالف؟ أم علاقة قوة كبرى بدولة لها دور وظيفي في خدمة المصالح الأمريكية؟ وأنا أقدر أنها علاقة تبعية في خدمة السياسة الأمريكية العسكرية والاقتصادية، والتمركز الجيوسياسي، ذلك أن التحالف يقوم عادة بين قوى لديها ممكنات القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسة والعلمية وضخامة القوة الناعمة، كونها قوى كبرى، وأخرى تملك ممكنات القوة النسبية الموضوعية، لكن أن يقال تحاف بين دولة كبرى، مع كيانات تستجدي الحماية عبر تواجد القواعد الأمريكية فيها، فهو لا يعكس أي معنى للتحالف، وإنما يكرس الدور الوظيفي لتلك الكيانات لتعزيز هيمنة ونفوذ الدولة الكبرى، وخدمة مصالحها وسياساتها، موضوعيا حتى لو رأت تلك الكيانات، أن الأمر ليس كذلك، كون المعيار هنا هو لمن يقرر ويدير اللعبة، وهي بالتأكيد ليست تلك الدول التي تتواجد فيها تلك القواعد.
لكن المفارقة هي، أن تلك الدول التي تتواجد فيها تلك القواعد قامت بالتصدي للرد الإيراني على الكيان الصهيوني، هي والقوات الأمريكية، وهذا ليس سرا، بل إن تلك الدول أعلنت بفخر ذلك، كونها لن تسمح باختراق أجوائها وسيادتها، لكن هذه السيادة غابت عندما قصف الكيان الصهيوني إيران عبر أجواء تلك الدول، وهنا يبقى السؤال الأكثر إلحاحا وهو حول دور قاعدة العديد الجوية، التي تستضيف قوات أمريكية ومنظومات دفاع متقدمة مثل “ثاد”. فقد أشار مراقبون إلى أن المنظومة كان بإمكانها رصد تحركات الطائرات الإسرائيلية، وهذا ربما ما صدم القطريون الذين كانوا يباهون بهذا التواجد الذي سيحميهم، وهذا من شأنه على ضوء ما جرى على الأقل، أن يطرح قضية الحماية التي على اساسها زرعت هذه القواعد في تلك الدول، وهي بالتأكيد لم تكن لدى تلك الدول وأمريكا، هي الحماية من الكيان الصهيوني، لأن من يفصل بين الكيان والولايات المتحدة يعاني من أمية فكرية وسياسية، لكن لا يمكن لأي متابع ناهيك عن المواطن في المنطقة العربية، القبول بأن تلك الدول قد خُدعت، كون حتى تلميذ المدرسة يعرف من هو عدو هذه الأمة، ومن هي الدولة والدول، التي حمته منذ زرعه في فلسطين وما زالت، ولا يمكن لأي منهما إلا أن يكون كذلك.
لكن هل يمكن لواقعة 9/9/2025 ، أن تجعل تلك الدولة إن لم مكبلة الإرادة بتلك القواعد ، إن تعيد التفكير جراء هذا الدرس في وجود هذه القواعد، كونها كما أكدت الوقائع ليست، لحماية أي دولة من تلك الدول، وإنما للدفاع عن الكيان الصهيوني كما كشفت ردودها على قصف طهران الكيان، وهي من ثم أداة عدوان، وأنا أكيف عدم رد قاعدة العيديد على الطيران الصهيوني الذي قصف الدوحة، وهي الملزمة بذلك، هو وفق مفهوم المخالفة عدوان موصوف.
وهنا نستحضر برسم كل تلك الدول التي توجد بها قواعد أمريكية لحمايتها، تلك العبارة التي تقول “إن المتغطي بأمريكا يا عرب عريان”.
سليم الزريعي